القسم الثاني

التحقيق

صفحة ١٦

بسم الله الرحمن الرحيم ... الحمد لله الأول بلا بداية ، والآخر بلا نهاية ، الواحد من غير عدد ، الباقي إلى غير غاية ولا أمد ، الذي خلق الخلق من حيوان وموات ، وفضل بعضهم على بعض درجات ، وخالف بين ألوانهم واللغات ، آيات تدلنا على وحدانيته وبينات ، تقودنا إلى فردانيته ، كما قال عز وجل : [ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ] (¬1) وبعث النبيين مبشرين ومنذرين بألسنة مختلفة ولغات شتى ، كل رسول بلسان قومه كما قال تعالى : [ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ] (¬2) ، حتى أفضت الرسالة إلى نبينا محمد عليه السلام ، فأبرزه في أشرف القبائل ، وأكرم المناصب ، وأرسله إلى الخلق كافة ، فضيلة اختصه بها من بينهم ، ودرجة فضله بها عليهم ، فأكمل به الرسالات ، وختم به النبوات ، وبعثه بأفصح اللغات ، وأعطاه كتابا سماه قرآنا ، ولما قد تقدم من الكتب مبينا وفرقانا ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، قائما بالحق ، ناطقا بالصدق ، حتى توفاه الله راضيا عنه مرضيا ، هاديا مهديا ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، والتابعين لهم بإحسان ، وسلم تسليما 0

... أما بعد 000

صفحة ١٧

صفحة ١٨

فإنا وجدنا لغات الأمم أكثر من أن يحصيها أحد ، أو يحيط بها محيط ، كل أمة تتكلم بلسانها ، ولا يعرفون غير / لغتهم إلا القليل ، ليترجم بعضهم لبعض ووجدنا 2ب أفضل لغات الأمم كلها أربعة : العربية ، والعبرانية ، والسريانية ، والفارسية ؛ لأن الله أنزل كتبه على أنبيائه بالسريانية والعبرانية ، وروينا عن علي عليه السلام أنه قال : كان للمجوس كتاب بالفارسية 0 ورأينا أفضل اللغات الأربعة لغة العرب ، وهي أفصحها وأكملها ، ولم يحرص الناس على تعلم شيء من اللغات كحرصهم على تعلمها ، حتى أن جميع الأمم فيها راغبون ، وبالفضل لها مقرون ، وحتى أنهم نقلوا الكتب المنزلة مثل التوراة والإنجيل والزبور ، وسائر كتب الأنبياء إلى العربية ، وكذاك نقلوا كتب الأوائل ، من الفلسفة والطب والنجوم ، وغير ذلك ، ولم يرغب أحد من أهل القرآن والكتاب العربي في نقله إلى شيء من اللغات ، فإن الملوك وأهل الشرف من كل أمة قد رغبوا في نقل كتب لها مقدار صغير ، وخطر يسير إلى لغتهم ، فكيف بالقرآن الذي عظم الله شأنه ، وأعلى قدره ، وقد حاول بعضهم نقله ؛ فعسرعليهم ، فترجموا منه شيئا مثل [ بسم الله الرحمن الرحيم] (¬1) ، ومثل سورة الحمد ، على استحراج شديد ، ونقل بعيد ، وقال بعض العلماء باللغة : لو جهد الناس أن ينقلوا قوله تعالى: [ سيهزم / الجمع ويولون الدبر ] (¬2) وقوله : [ فانبذ إليهم على 3أ سواء ] (¬3) لما أمكن نقله على هذا الاختصار ، حتى يوسع الكلام فيه ، ويزال عن سننه ، فلغة العرب هي اللغة التامة الحروف ، الكاملة الألفاظ ، لم ينقص عنها شيء من الحروف ؛ فيشينها النقصان ، ولم يزد فيها شيء ؛ فتعيبها الزيادة ، وسائر اللغات فيها زيادة الحروف المولدة ، وتنقص عنها حروف هي أصلية ، والحروف التامة ثمانية وعشرون حرفا ، لا زيادة فيها ولا نقصان ، فمدار لغة العرب على هذه الحروف ، لم يزد عليها ، ولم ينقص عنها ، ولهذه الحروف أحياز (¬4) مختلفة ، ومدارج بعضها فوق بعض، فالحاء والعين والخاء والغين حيزها من الحلق ، والقاف والكاف حيزها اللهاة ، والجيم والضاد والشين حيزها شجر (¬5) الفم ، والصاد والسين والزاي حيزها أسلة اللسان (¬1) إلى أطراف الثنايا ، والطاء والتاء والدال حيزها الحنك (¬2) ينطبق اللسان ، والظاء والثاء حيزها اللثة ، والياء واللام والنون حيزها ذلق اللسان (¬3) إلى الشفتين ، والفاء والباء والميم حيزها الشفة ، والألف والياء والواو هوائية ، ليس لها جروس (¬4) ، ولا اصطكاك ؛ لأنها تنسل من تحت الحنك ، فهذه ثمانية وعشرون حرفا / مدارجها وأحيازها على ما ذكرنا ، 3ب

صفحة ١٩

صفحة ٢٠