قال: وأما طريقة التمانع فللمتكلمين فيها تجادل وطراد وقوله تعالى:{إذا لذهب كل إله بما خلق}[المؤمنون:91] وقوله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}[الإسراء:42] فهذه الآيات فيها مناسبة لدليل التمانع وإشارة إليه، ومما يدل على الوحدانية قوله تعالى: ({وما من إله إلا إله واحد})[المائدة:73] وقوله تعالى: {قل هو الله أحد}[الإخلاص:1] وغير ذلك من الآيات المصرحة بالتوحيد.
وأما الكلام على الثنوية في النور والظلمة ومقالتها: أن كل خير فهو من النور بطبعه، وكل شر فهو من الظلمة بطبعها، وأن كل واحد منهما لا يقدر على خلاف ما يصدر عنه، وأن العالم ممتزج منهما، وأنهما غير متناهين إلا من جهة التلاقي.
فالكلام عليهم: أن النور والظلمة جسمان عند كثير من الناس وعرضان عند الباقين، والأجسام والأعراض محدثة، وأما المجوس الذين يقولون: بأن النور يزدان والظلمة إهرمن، وقال بعض هؤلاء: بحدوث إهرمن، قيل: من عفونة كانت قديمة. وقيل: من فكرة يزدان الردية، وقيل: من شكه.
فيقال لهم: أما القول بأنه حدث من عفونة فباطل؛ لأن العفونة جسم، وكل جسم محدث؛ لأن الجسم لا يتولد عن جسم، ولأن العفونة من القاذورات ومما تعدونه شرا فهلا كانت الشرور قديمة ولا يحتاج إلى إثبات ثان يخلقها، أوكانت هذه العفونة محدثة فيجب تقدم إهرمن عليها ليكون محدثا لها، ولأنه كان يجب أن يتولد من كل عفونة إهرمن؛ لأنه إذا كان إهرمن محدثا فكيف يكون إلها دون غيره من المحدثات؟ وكيف يصح منه فعل الأجسام؟
صفحة ٥٤