فإن قيل: إنهما حكيمان فلا يختلفان في الإرادة والداعي؛ لأنهما إذا كان حكيمين فالذي يدعو أحدهما إلى الفعل من العلم بحصول منفعة للغير تدعو الآخر إليه، والذي يدعو أحدهما إلى فعل الإرادة يدعو الآخر، إذ ليس دواعيهما دواعي حاجة، فتختلف دواعيهما لاختلاف نفعهما، وإذا كانا لا يختلفان في الداعي والإرادة لم يتمانعا، إذ التمانع فرع على اختلاف الدواعي.
قلنا: كلامنا في الصحة لا في الوقوع، ومعلوم أن كل حيين يصح اختلافهما في الإرادة والداعي، وإلا لم ينفصل الحي الواحد من الاثنين على أنه يعلم صحة التمانع من لا يعلم اتحاد الإرادة أو تعددها، بل يعلمه من ينفي المعاني.
قال الوالد العلامة محمد بن عزالدين المفتي: قلت: وأيضا لو كان متعددا ومنعت الحكمة من تخالفهما لما وصلنا رسول مؤيد بمعجز خارق يدعو إلى أحدهما ومكذب دعوى التعدد، ومثله ذكره الإمام القاسم بن محمد -عليه السلام- في الأساس: (وقد) دل السمع على المنع حيث (قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}) [الأنبياء:22] قال جار الله في قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} دلالة على أمرين: أحدهما: وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحد، والثاني: ألا يكون ذلك الواحد إلا إياه.
فإن قلت: لم وجب الأمران؟ قلت: لعلمنا أن الرعية تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التناكر والتغاير والاختلاف، وهذا ظاهر.
صفحة ٥٣