المعاني المشتركة بين الكفر والظلم والفسق قال تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } "البقرة: من الآية84" إلى قوله { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } "البقرة: من الآية85" أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه وهذا يدل على الآية فأخبر سبحانه تصديقهم به . وأخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقا آخرين وأخرجوهم من ديارهم وهذا كفر بما أخذ أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم ثم أخبر عليهم في الكتاب ، وكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق ، كافرين بما تركوه منه ، فالإيمان العملي يضاده الكفر العملي والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي ، وفي الحديث الصحيح (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) فقرن بين سبابه وقتاله وجعل أحدهما فسوقا لا يكفر به ، والآخر كفرا ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العلمي لا الاعتقادي وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية ، والملة بالكلية ، كما لم يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان ، وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمهما فلا تتلقى هذه المسألة إلا عنهم . والمتأخرون لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين فريقا أخرجوا من الملة بالكبائر وقضوا على أصحابها بالخلود في النار ، وفريقا جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان ، فأولئك غلوا وهؤلاء جفوا ، وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل . فهاهنا كفر دون كفر ، ونفاق دون نفاق ، وشرك دون شرك وظلم دون ظلم فعن ابن عباس في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } "المائدة: من الآية44" قال : ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه . رواه سفيان وعبد الرزاق وفي رواية أخرى كفر لا ينقل عن الملة .
صفحة ٤