الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي
والعجب ممن يتجنب المضار الدنياوية، ويحمي نفسه عن ألذ الأشياء عنده وأحبها إليه، من المطعومات والمشروبات، والمشمومات والمنكوحات، وغير ذلك من المشتهيات، وكل ذلك خوفا من حدوث الأمراض والعاهات الدنياوية، مع أنها فانية زائلة بلا محالة، فإن أكثر ما يبلغ به أن تؤدي إلى زوال حياته، وذلك مزيل لألمه ومضرته، ومع ذلك لا يتجنب المضار الأخروية وهي الذنوب، ولا يحمي نفسه عما يمدها من الجهل وحب الدنيا، وطول الأمل، والغفلة عن الفكر فيما يجازي به على العمل، مع أن مضارها تتأبد ولا تفنى.
وهي مع ذلك أعظم بأضعاف كثيرة من مضار الدنيا، فإن كل بلاء دون النار عافية، كما ورد عن سيد البشر، وقد بينا في القسم الأول من هذا الكتاب أنواع المعاصي وأعدادها، وصورها وموادها، وإن كانت كثيرة جدا، وتحتاج إلى بحث وتأمل، فإذا أردت أيها الطالب معرفة الأدواء الأخروية على التفصيل فعليك بما قدمنا هنالك، فهذه معرفة الداء.
وأما معرفة الدواء
فاعلم أيها الطالب للنجاة وفقك الله أن الدواء النافع، والشفاء الحاسم للداء القاطع، هو التوبة النصوح، وعلى هذا جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ألا أنبئكم بدوائكم من دائكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإن داء كم الذنوب ودواء كم التوبة والاستغفار).(1)
نعم: وكما أن الأدواء الدنياوية تزول بالأدوية، فكذلك الأدواء الأخروية، وهي الذنوب تزول بالأدوية الأخروية، وهي التوبة، وكما أن ما تزول به الأمراض الدنياوية قد تكون غذاء، وقد تكون دواء، فكذلك الأدواء الأخروية وهي الذنوب، قد تزول تارة بالأغذية الأخروية، وهي الطاعات، كما قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}(2) وقد تزول بالأدوية الأخروية، وهي التوبة على ما نذكره الآن، بمشيئة الله وعونه.
صفحة ٣١٧