[إرشاد العنسي]
وبه نستعين
اللهم إني معترف لك بالربوبية، ولمن سواك بالعبودية.
اللهم تصديقا لكتبك، واتباعا لرسلك، وإذعانا لأمرك ونهيك، وخضوعا لعظمتك وجلالة قدرتك.
اللهم أني أستغفرك من سئ ما اكتسبت واجترمت، وأتوب إليك مما تعمدت وأخطأت، وأسترضيك مما أغضبتك، وأستمنحك العفو فيما خالفتك.
اللهم إني أحمدك على ما أسبغت على من النعم، وأشكرك على ما صرفت عني من مستحقات النقم، وأعوذ بك أن أشرك بك أحدا، أو أتخذ من دونك ملتحدا، واسألك دوام التيسير بقية العمر، وأعتصم بك من الخطا والزلل في العلم والعمل، وأستوهبك التوفيق، وأسترشدك لواضح الطريق، وأرغب إليك في الهام الحكمة، وأطلبك إسبال العفو والرحمة.
وأصلي على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك المرسلين وعلى خاتم النبيين وسيد الوصيين وعلى الآل الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين.
أما بعد:
أيها الطالب للنجاة الخائف من الغرق في بحار الهلكات، فاعلم أنك إن تك صادقا في خوفك وإشفاقك، محققا في طلب نجاتك، تجد طريق النجاة واضحة، وأعلامها نيرة لائحة، ساخرا بنفسك في خوفك، مستهزئا بها في معرض المخادعة لربك، والمجاهرة له بمعصيتك.
صفحة ١
فاعلم أنك الملقي لها وهي أعز النفوس عليك من حالق، والمورط لها وهي المزلقة لذلك في أضيق المضائق، وحينئذ أنت المهلك لها قصدا، والقاتل لها عمدا، وما مثلك إلا مثل من سلك طريقا فيها مهواة قد تحققها، وظهر خوفه منها، وأنذر البشر عنها، فلما دنا من المهواة غمض عينيه، وطرح نفسه فيها، وهو المتظاهر بالمخافة منها، أفترى هذا معدودا في زمرة العقلاء، أو منخرطا في مسلك السفهاء والجهلاء، فأحذرك يا مسكين أن تسخر بنفسك فتذبحها شفار جهلك، وإياك أن تذعن لتزوير الشيطان، وإن تدلي بحبل غروره إلى العصيان، فتصير صفقتك خاسرة، وتجارتك بائرة، وأعد لخوفك هربا، ولرجائك طلبا، فمن خاف شيئا فهو منه هارب، ومن رجا شيئا فهو له طالب، واقرن بالخوف والرجاء العمل بمقتضى الحجا، فهو حجة الله عليك ووديعته لديك.
واعلم أن الناس أربعة: رجل آتاه الله علما فنشره في العباد، فهذا معدود في زمرة السابقين، وأهل الوراثة للأنبياء والمرسلين عليهم صلوات رب العالمين وهو الذي أراد الله تعالى بقوله:{ إنما يخشى الله من عباده العلماء}(1) وبقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط}(2) وإياه عنى النبي بقوله: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم) وبقوله: (إن الفتنة لتجيئ فتنسف العباد نسفا ينجو منها العالم بعلمه) وبقوله: (النظر الى وجه العالم عبادة) وبقوله: (العلماء ورثة الأنبياء).
صفحة ٢
ورجل استولى عليه الجهل، فركب الوعر والسهل، لا يحتفل بالدين، ولا يبالي بغضب رب العالمين، فهذا من الخاسرين، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة إلا ذلك هو الخسران المبين. وهو الذي نهى النبي عن مثل حاله في خبر آخر قال فيه: (عباد الله كونوا علماء ولا تكونوا جهالا فإن الجاهل في الدنيا كمثل الأعمى في سواد الليل لا يعرف طريقه فكيف يقطع الطريق وهو لا يعرف وهو في الآخرة ملوم خاسر عند الله) ثم قال: أي قلب يدرك عذاب الجاهل في الآخرة ولو أن الجاهل يعلم ما أعد الله له من العقوبة ما أكل طعاما بشهوة ولا شرب شرابا بشهوة) فصدق.
ورجل اتخذ الزهد مطيته والخشية بضاعته من غير رؤية صادقة ولا معرفة كاملة فهو خائف كخوف العارفين عامل في أمره على غير يقين، يستقبل الليل بالعويل ويخشع خشوع العالم النبيل، والشبهة قادحة في قلبه لا يجد لها ردا، آخذة بمجاميع لبه لا يجد عنها مصدا، فهو من نفسه في بلاء، والناس منه لكثرة إنكاره عليهم في عناء، فهذا من المغرورين والأشقياء المدحورين، وهو داخل في قوله تعالى: {وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع}(1) وهو ممن أراد الله تعالى بقوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}(2).
صفحة ٣
روى الأصبغ بن نباته(1) قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة يمشى وأنا خلفه، وقنبر (2) بين يديه إذ سمع قنبر صوت رجل يقول: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}(3) ويبكي، ويقرؤها بصوت حزين، فوقف قنبر فقال: أراك والله منهم) قال: فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بين كتفيه ثم قال: (امض نوم على يقين خير من عبادة(4) في شك إنا آل محمد نجاة كل مؤمن) فلما كان يوم النهروان وجدنا الرجل القارئ في القتلى مع الخوارج فقال قنبر: صدق أمير المؤمنين يا عدو الله، كان والله أعلم بك مني). (1)
صفحة ٤
ورجل اتخذ علمه وسيلة إلى منافعه العاجلة، ورفض الآجلة ينافس به العلماء، ويناوي به العظماء، ويفاخر به ويكاثر، ويماري به ويكابر، ويدخل به كل مدخل، ويقضي به كل أرب، وهو لأجل علمه عارف بركاكة حاله، ومستشعر بخسة مقصده، فهذا من الهالكين والحمقاء المغترين، وهو ممن وصفه الله تعالى بقوله: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم [الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين]}(2) وفي قوله: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم [لذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون]} (3) هذه الآية نزلت في قصة بلعام بن باعوراء(4) وكان عالما يعلم الاسم الأعظم فلما أخلد إلى الدنيا واتبع الهوى أنسيه فمثل الله عالم السوء المائل إلى الدنيا والراكن عليها بالكلب لأنه لا يكاد يرتدع عن غيه متى تظاهر به، بل يستخف بمن يذكره، ويتهاون به ويحتج لنفسه في حكمه ويدعي أنه عامل بعلمه كالكلب الذي لا يزال يلهث سواء طردته أو تركته، وهذا الصنف والذي قبله هما اللذان حذر عنهما النبي بقوله: (اتقوا العابد الجاهل والعالم الفاسق) (1) وانما حذر عنهما لعظيم اجترامهما، فإن الزاهد الجاهل يدع الناس بزهده إلى سلوك مثل طريقته في جهله وإن لم يتبعوه في زهده، والعالم الفاسق يدع الناس بعلمه إلى مثل عمله وإن لم يتبعوه في علمه ؛ لأن العلم والزهد عمل البررة الأخيار وخدمة الملك الجبار، وقد جعل الله تعالى في القلوب لخدمه مودة ورحمة وجلالة وعظمة قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا}(2) فتدعوهم تلك الأعمال السنية التي هي العلم والزهد إلى الإتباع لهما في الأمور السهلة الشهية التي هي الفسق والجهل وإن لم يتبعوهما في العلم والزهد لما كانا من الأمور الشاقة، فمن هاهنا يعظم وزرهما، ويكثر الضلال بسببهما، وما تملكت الظلمة وتصدرت الفاسقة، وقل نمو الدين، وارتفعت أصوات العاصين، واستهين بالمؤمنين، وتكالب الناس على الدنيا وطرحوا الأخرى، ومالوا عن أئمة الهدى، في أكثر الأزمنة والأعصار والأقطار إلا بسبب هذين الصنفين وهما الزهاد الجهال والعلماء الفساق، فلا يكاد الطغام وهم الأكثر يلتفتون إلا ووجدوا عالما متلفتا إلى الدنيا بكليته ذاهبا عن الآخرة بجملته، أو زاهدا قد غمرته الجهالات فتغطمط في بحار الهلكات(3) فما أفسد الزاهد بجهله أكثر مما أصلحه بزهده، وما أفسد العالم بعمله أكثر مما أصلحه بعلمه، فقد صارا سببا لجرأة عباد الله على معاصيه أعاذنا الله من شرهما، وصرفنا عن ضرهما بحقه العظيم، ونبيه الكريم إنه غفور رحيم.
صفحة ٧
وعن بعض الصالحين أنه قال: بلغني عن كميل بن زياد النخعي(1) أنه قال: أخذ أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام بيدي فأخرجني إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال: يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها فاحفظ عني(2) ما أقول لك: الناس ثلاثة فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل مائل، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجاوا إلى ركن وثيق، يا كميل بن زياد العلم خير من المال، العلم يحرسك والمال تحرسه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، مات خزان الأموال والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة، وامثالهم في القلوب موجودة، ها إن هاهنا علما جما واومأ بيده إلى صدره لو أصبت له حملة بل أصبت لقنا غير مأمون مستعملا آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمه على عباده، أو منقادا للشك ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لإذا ولا ذاك أقمن، أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات، أو مغرما بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة، كذلك العلم يموت بموت صاحبه. اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة ؛ كيلا تبطل حجج الله وبيناته أولئك الأقلون عددا، الأعظمون عند الله قدرا، بهم يدفع الله عن حججه حتى يردوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه هاه هاه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك، إذا شئت فقم)(1) فانظر أيها الطالب إلى هذا الكلام جمع فيه تلك الأقسام فأصحب الدنيا صحبة أهل المحل الأعلى لعلك أن تنجو غدا.
فإن قلت: أنبئني بطريق النجاة وكيفية السلامة من هذه الدحضات(1)؟
فاعلم قبل كل شئ أن الله تعالى ما خلق الخلق لفاقة به إليهم لكن لقصد التفضل عليهم ؛ لأنه عز وجل كان مستغنيا في القدم عن كل موجود وعدم، لا تضطره شهوة ولا تعتريه نفره فهو لا يجد ألما ولا لذة ؛ لأن المتألم يتناقص والمتلذذ يزداد، وربنا تبارك وتعالى لا يشبه أحدا من العباد، وإذا لم يلتذ ولم يتألم فهو لا ينتفع ولا يتضرر، ولا يغتم ولا يستر، فإذا هو الغني في الأزل وفيما لم يزل، المالك للمالك، الباقي وكل شئ هالك.
نعم ولما كانت الملوك لابد أن يكون لها تفضل وامتنان وإنعام وإحسان، علمت أن الملك الديان المختص بالعظمة والسلطان، الذي لا يحويه مكان ولا تراه الأعيان، أولى بإفادة الجزيل من العبد الذليل.
صفحة ٩
ولما كانت عظمته لا يشاركه فيها مشارك ؛ كانت أياديه ونعمه مما لا يملكها عليه مالك، ولا يشاركه في الاقتدار عليها مشارك ؛ ليختص في النعمة بمثل ما اختص به في العظمة ؛ فلهذا اختص الإله عز وجل بخلق أصول النعم، وأساس جميع المنح والقسم، وهي خلق الحي، وخلق حياته، وخلق شهوته، وتمكينه من المشتهيات، وإكمال العقل الذي يميز به بين الحسن والقبيح، ويجتلب به المتجر الربيح ؛ فلولا هذه الابتدآت الحسنة لما كانت في الدنيا حسنة، قضية قضاها العقل الرصين، وحكم حكم به رب العالمين، فله الحمد على ما امتن، والشكر كثيرا على ما أنعم وأحسن، فقد اقتضت عليك هذه النعم التي هي أنهى النهآيات أن يبلغ شكرك عليها أقصى الغآيات ؛ فإن الشكر يتزايد بتزايد النعم، ويتنوع بحسب تنوع المنح والقسم، فليس إعطاء الفلس كالتفضل بالفرس، ولا الدينار كالقيراط(1)، ولا الشكر على التفضل بالتاج كالشكر على الامتنان بالجاج(2)، هذا وأنت لا تبلغ إلى شئ من شكره إلا بمنه وفضله، فإنه لولا تعريفه لك بكيفية الشكر واقتداره لك على الاعتراف له، والذكر ما أحسنت شكره، ولا دريت ذكره ؛ ولهذا قال بعض الصالحين شعرا:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة .... [على له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله .... وإن طالت الأيام واتصل العمر
وقال آخر:
إن لله علينا أنعما يعجز الحمد عن الحمد لها
صفحة ١٠
فله الحمد على نعمائه وله الحمد على الحمد لها] (3) ولن يبلغ شكرك إلى أنهى النهآيات، وأقصى الغآيات إلا بالاعتراف للملك الديان بالإحسان، والإقرار له بكثرة الامتنان، والخضوع له في العبادة، والتذلل له في وجوه القربات، ولهذا قال بعض الخائفين وأصاب:
شكرك معقود بإيماني حكم في سري وإعلاني
عقد ضمير وفم ناطق ونقل أعضاء وأركاني
وهذا هو الذي عبر عنه الموحدون بالتكليف من الرب الرحيم الحكيم.
وعلى التحقيق أنه نتيج نعمتك، وموجب منفعتك، التي لولاها لخرجت عن سمتك على ما عرفتك، من أصول الأيادي التي هي في النعم مبادئ.
نعم ثم إن الرب عز وجل زادك بسبب نعمته الأولى عليك أعظم النعم وأعلاها، وأشرفها وأسناها بعد تلك الأصول، وما أوجبته من الفصول، وهو الثواب العظيم، والفضل الجسيم، في جنات النعيم، فكأنه كلما أنعم عليك نعمة التزم تعالى لأجلها أن يعطيك أضعافها وأضعاف أضعافها، فهذا غاية الكرم والجود، مع المجاهرة بالصدود، ولهذا شكره بعض المستبصرين المتأملين لتواتر النعم من رب العالمين فقال:
الهي لك الحمد الذي أنت أهله على نعم ما كنت منك لها أهلا
صفحة ١١
متى ازددت تقصيرا تزدني تفضلا كأني بالتقصير استوجب الفضلا فما مثلك أيها العبد في جريان نعم الله عليك إلا مثل عبد صغير مسكين، رباه ملك البلد أحسن التربية، وغذاه أحسن الغذاء، فلما مضى عليه خمس عشرة سنة في النعم السابغة، والأيادي البالغة ألبسه الملك لباس الملك، وخلع عليه التيجان وانزله في أحسن منزل، وابعده عن القذارات وقال له: كلما رأيتك لابسا لهذه الخلع في المواضع الشريفة السلطانية أعطيتك في كل ساعة تمر عليك وأنت كذلك أضعافها وأضعاف أضعافها، حتى يصل ملكك إلى ما لا غاية له، وإن طرحتها واستعملتها في غير ما ذكرت لك نحو أن تستعملها في القذارات والمزابل فإني لا أعطيك شيئا سوى العطاء الأول، وما يقوم بك وبقوتك ومن تحت يدك إلى وقت وفاتك، فهل ترى هذا الملك عدل في حكمه أم جار، هذا شبه بحالك ولا سواء، فإن الملك هو الله الواحد القهار، وأنت العبد الذليل، الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك، واسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنه، ورباك أحسن التربية، وغذاك بأطيب الغذاء، حتى بلغت خمس عشرة سنة أو أقرب، ثم أكمل لك العقل الذي هو تاج الملك ولباسه، وعماده وأساسه، وامرك أن تستعمله في الأمور السلطانية الإلهية، ولا تخرج به إلى القذارات، وهي الأخلاق الذميمة، بل تقف به عند الأخلاق الحميدة الجميلة، وضمن لك على ذلك ملكا عظيما، وأمرا جسيما، لا ينحصر ولا ينحد، ولا يتناهى ولا ينعد، واعلمك أنك إن خالفته فإنه لا يسلب عنك ما قد أعطاك لأجل معصيتك، بل يقيتك أنت ومن تحت يدك، إلى وقت موتك، وبلوغ أجلك، فهل تعلم لربك مثيلا، كلا ما كان ولا يكون أبدا، ومتى تحققت ما ذكرت لك، وتيقنت ما فصلت لك، علمت أن ربك عز وجل لا تزيده طاعة المطيعين، ولا تنفعه ولا تنقصه معصية العاصين ولا تضره، وانما ذلك كله تعود مصلحته إلى العبد الذليل بالتفضل من الملك الجليل فمن هاهنا تعلم أن النجاة بطاعة الله عز وجل، والهلاك بمخالفته.
صفحة ١٢
والآن يقع الإرشاد للطالب إلى طريق النجاة ليبلغ بذلك إلى هني الحياة إن شاء الله تعالى، ومن الله عز وجل أستمد التوفيق والتسديد، وإياه أسأل المعونة والتأييد، فهو حسبي ونعم الوكيل.
الإرشاد إلى النجاة
اعلم أيها الطالب أن نجاة العبد إنما تحصل بطاعة الله، وانقياده لمولاه في أمره ونهيه.
فإذا النجاة إنما تحصل بأمرين:
أحدهما: الانقياد للأوامر الإلهية على حسب ما اقتضته.
والثاني: الانقياد للنواهي الإلهية على حسب ما تضمنته، وترك المناهي هو الأصعب والأشد فإن فعل الطاعات سهل على الجم الغفير، وترك المناهي ومخالفة الهوى تخفى إلا على الندس(1) البصير قال تعالى: {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}(2)
وعنه (المؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السوء) (3).
صفحة ١٣
واعلم أنه لا ينبغي للعبد أن يقوم بين يدي مولاه في أولى الخدم وأعلاها وأشرفها وأسناها ومع ذلك هو يخطب إليه أكرم جواريه عليه، ويطلب منه أعظم الممالك لديه، وهو مسئ إليه ومجترم عليه، وقد قتل خواص أهل خدمته، وأهلك أجلاء أهل دولته، واصطفى الأموال، وتحمل الأثقال، فإنه عبد سوء مشؤوم، مستخف به ملوم، مسخور به مغرور، لا يأمن من سيده أن ينزعه من خدمته، ويحكم بعقوبته، فإن كان هكذا، فينبغي أن لا يقوم بين يديه يطلب منه حوائجه إليه إلا وهو متطهر من الذنوب، خال عن جميع العيوب، فحينئذ ينظر إليه مولاه ويعطيه سؤله ومناه، فلهذا ينبغي تقدمة الإرشاد إلى النجاة بترك السيئات قبل ذكر أحوال الطاعات.
واعلم أنه لا يتم لك كمال الارتسام لربك، والانقياد إلا بحسن المعاشرة مع العباد، فإنك عبد من عباده لا تشرف عنده على سائر خدمه إلا بالموافقة له في جميع مراده، ومن جملة مراده حسن المعاشرة مع عباده بما يرضىه فلا تحسبن أنك تزيد عليهم عنده بحسن الصورة، وكمال الخلقة، أو بياض الوجه وسواد الشعر، أو بكثرة الحذق، أو بحدة البصر، كلا فإن ذلك فيك من فعل الملك الجبار، اختصك به للإبتلاء والاختبار، لينظر كيف شكرك فيما أعطيت، وصبرك فيما به ابتليت، فأنت وسائر عباده عنده بمنزلة واحدة باعتبار العبودية، وإن اختلفتم في المرتبة باعتبار الانقياد في جميع المراد، وهذه حالة الواحد منا في خدمه، فإنهم عنده على سواء في اعتبار الرق، وانما يختلفون بحسب الجريان في ميدان المراد، فأعدلهم فيهم، وأحسنهم معاشرة لهم هو الأحب منهم عند مولاه، والأرفع عند مولاه على سائر خدمه، وكذلك عبيد الخدمة الإلهية يجرون هذا المجري فافهم ذلك.
صفحة ١٤
ولهذا أمر الله تعالى بذلك واثني على من هذه طبيعته وحلته(1) وطريقته بقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(2) وإلى ذلك أشار النبي بقوله: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله) (3) وبقوله: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) (4) فلهذا ينبغي أن يقع الإرشاد إلى ما يصلح أن يعاشر به العباد، فهما قسمان قسم المعاشرة مع الخالق، وقسم المعاشرة مع المخلوق ذ، وإن كان يرجع إلى باب المعاشرة مع الخالق، ولكن باعتبار الانقياد له في المراد، فلنقسم ذلك ثلاثة أقسام:
صفحة ١٥
قسم أو ل: وهو تهذيب النفس بترك المناهي على الجملة.
وقسم ثان: وهو تهذيب النفس بالطاعة لله تعالى في جميع أوامره في المعاشرة مع خلقه.
وقسم ثالث: وهو تهذيب النفس بالخضوع لله سبحانه وتعالى في جميع أوامره.
القسم الأول وهو تهذيب النفس بترك المناهي
اعلم أيها العبد الذليل أنك إنما تعصي الملك الجليل بجوارحك، التي هي نعمته عليك ووديعته لديك، فاستعانتك بنعمته على معصيته غاية الكفران، وخيانتك في أمانته التي أودعكها غاية الطغيان، وما مثلك إلا مثل عبد لسلطان رباه السلطان من صغره إلى كبره، فلما ترعرع العبد خلع عليه السلطان أعظم الخلع وأرفعها، وبذل له نفائس الأموال وأعزها، ومكنه من الألوف من خواص أهل مملكته ليدخلوا في طاعته، فلما استوى للعبد أمره، ونفذ بسلطان الملك حكمه وعظم شأنه، قصد الملك بجنوده وأمواله التي هي من خزانة ذلك الملك ليبيد خضراء ه، ويقتلع جرثومته، وشهر السيف الذي كان الملك أعطاه إياه في وجه ذلك الملك، وقصد الاستخفاف والإسقاط لمنزلته، أترى هذا العبد إلا معدودا في أرذل الأرذلين، وأكفر الكافرين، وأسفل السافلين، الذين لاجاه لهم ولا شرف عند أحد من العالمين، كذلك العصاة لرب الخلق أجمعين هم أخس الأخسين، وأخسر الخاسرين.
الإرشاد إلى النجاة بتهذيب النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق
التي هي مناهي الملك الخلاق.
صفحة ١٦
اعلم أن تهذيب النفس وتطهيرها من الرذائل لا يقع إلا بترك المعاصي، والمعاصي إنما تقع بالجوارح، والجوارح الظاهرة سبع وهي العين والأذن واللسان واليد والبطن والفرج والرجل، فهذه الأعضاء هي التي يحدث منها الخير والشر، وبها يقع النفع والضر، وعليها قيم واحد وهو رئيسها وبسببه تصدر أفعالها وهو القلب، فإنه إذا صلح صلحت كلها، وإذا فسد فسدت بأجمعها، وهذه الأعضاء هي صاحب الإنسان وجليسه المساعد له في الأعمال، والملازم له في جميع الأحوال لا ينكتم منها عنه صغير ولا كبير، ولا يخفى عليها منه نقير ولا قطمير، وهي أعظم أعدائه يوم القيامة يوم الصاخة والطامة، تقف بين يدي ربها فتشهد بما كان من كسبها بلسان طلق خجل ذلق، وكلام فصيح منطلق قال تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}(1) وقال تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون}(2) وقال في الختم على الألسنة بعد نطقها: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}(3).
صفحة ١٧
ولهذا قال (أول ما ينطق من ابن آدم يوم القيامة فخذه). (4) وعنه أيضا (أول عظم يتكلم من الإنسان يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال) (1).
صفحة ١٨
وفي خبر عنه صلى الله عليه وآله وسلم (إن العار والتخزية ليبلغ من أهل القيامة في المقام بين يدي الله عز وجل ما يتمنون أنهم صرف بهم إلى النار من ذل ذلك المقام. (2)( وإذا عرفت شهادتها عليك، وإهانتها لك، وهي العزيزة لديك، فاحترز من إهمالها، واستعملها في أشرف أعمالها ؛ لعلك تنجو كفافا، ويكون [ربحك أنك]معافى ؛ فإن الإنسان يتمنى ذلك اليوم أن يكون من أهل العافية، دع عنك أن تكون من أهل الأجور الوافية، ولن يتم لك الخلاص والنجاة إلا بأن تعرف ما يختص كل عضو من هذه الأعضاء من الفضائل والرذائل، حتى تعمل بحسب علمك ؛ فلعل أن تلقى الله تعالى بأحسن عملك، ولكن قبل التحرز في مستقبل أيامك من الذنوب لابد أن تطهر ما قد اكتسبت من كل حوب فإن منتك نفسك أنك لم تكن اكتسبت سيئة، ولا أخطأت خطيئة، فاعلم أنها إنما عمدت بك إلى الغرور، وكلمتك بلسان الزور، فإن كل إنسان لا يسلم من العصيان، وقد حكى الله ذلك عن أهل ولايته، وأحب الخلق لطاعته وهم الأنبياء المرسلون، والأولياء المقربون فقال تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى}(1).
وعن النبي أنه قيل: يا رسول الله الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من آدمي إلا وله خطايا وذنوب يقترفها، فمن كان سجيته العقل، وغريزته اليقين لم تضره ذنوبه) قيل: وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال: لأنه كلما أخطا لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه، فيمحو ذلك ذنوبه ويبقي له فضل يدخل به الجنة) (2).
فإذا معرفة ما يرحض(3) الذنوب ويغسل العيوب أصل في الخلاص، وأساس في النجاة.
صفحة ١٩
تنبيه على أساس النجاة
اعلم أن الله تعالى بفضله وبرحمته قد جعل لنا طريقا إلى التخلص من موبقات سخطه ومستحقات عقوبته، حتى إن الواحد من الناس يأتي بالجرائم العظيمة والخطايا الجسيمة، نحو الكفر والجحدان، وعبادة الأوثان والفسوق والعصيان، والقتل والظلم والافتراء والبهتان، والاستخفاف بحق الرحمن، ويدين بذلك ويديم عليه الدهور المتوالية ثم تمر عليه ساعة واحدة قليلة يفعل فيها فعلا سهيلا خفيفا نزرا فتطمس هذه المعاصي كلها، ويأتي على جميعها فلا تبقى عليه تبعتها ولا يستحق بعد ذلك عقوبتها، وهذا غاية الرفق والعفو من الملك الجليل بالعبد الذليل والحمد لله رب العالمين.
وهذا الجنس من الأفعال الراحضة لقبائح الأعمال ينبغي أن تكون أساسا للنجاة معتمدا عليه في كل وقت من الأوقات، وهو التوبة النصوح الساترة من الفضوح، قال الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا}(1) وقال عز وجل: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}(2) وقال بعد تعداده الكبائر والعقاب عليها: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}(3) إلى غير ذلك من الآيات.
صفحة ٢٠
وعن النبي أنه قال: (لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار) (4) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم (لكل شئ حيلة وحيلة الذنوب التوبة) (5) وسنبين إنشاء الله كيفية أدائها وتفاصيلها عند الكلام في الطاعات فإنها من أعظم الطاعات وانفعها ومن الله نستمد التوفيق، وإياه أسأله المعونة والتأييد لما يحب ويرضى وإذا قد بان لكل أساس النجاة، والطهور الراحض للسيئات الذي ينتفع معه بالحسنات فلنرجع إلى بيان ما يختص كل عضو من الأعضاء العاملة في الفضائل والرذائل والله تعالى الهادي للصواب بفضله.
اعلم أن المعصية الواحدة تكبر وتعظم وتزايد بحسب أحوال يكون عليها العاصي والمعصي والآن نرشد إلى طرف منها إنشاء الله تعالى.
الإرشاد إلى ما تتعاظم معه المعصية الواحدة التي تصير بمنزلة
معاص كثيرة
واعلم أن الأمور التي بها تتعاظم المعاصي كثيرة قد شرحها العلماء في كتبهم وننبه الآن على خصال يسيرة من ذلك إنشاء الله تعالى.
منها: خصلة أولى وهي أن يكون العاصي خادم المعصي وعبده، فإن معصيته تكون أعظم من معصية غير عبده له، وسواء كان المعصي شريفا أو وضيعا، فقد عظمت معصية عبده له بسبب الرق، وهذه حالتنا مع الله تعالى فإنا عبيده وخدمه من كل وجه بل نحن على أعظم من ذلك، فإنه ما من عبد لمالك آدمي إلا وكان يصح أن لا يكون له عبدا، فإنه إنما تملكه بتمليك الله له إياه، وعلى هذا قال النبي: (انتم بنوا آدم طف الصاع لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى) (1).
صفحة ٢١
فإن انضاف إلى هذه الخصلة ثانية وهي: أن يكون السيد شريفا عظيم القدر والشأن كانت حينئذ معصية العبد له زائدة بزيادة عظيمة على الأولى بدرجات كثيرة، حتى إن معصية غير العبد له ربما ساوت معصية العبد لمولاه الذي ليس له مثل في الشرف والجلالة، أوزادت على ذلك، وهذه الخصلة حاصلة فينا على أبلغ الوجوه فأنه لا أعظم من ملك الله تعالى وسلطانه، ولا أعلى ولا أكبرمن شأنه، بل هو المتفرد بالملك والإلهية والسلطان العالي شأنه على كل شأن، فلا أحد مثله ولا إله غيره، فمعصيتنا له أعظم معصية، وخيانتنا في ذلك أعظم خيانة.
فإن انضاف إلى هذه الخصلة خصلة ثالثة وهي: أن تكون الخيانة من العبد حصلت في ملك هذا السيد وبلاده، التي استولى عليها فإن ذلك لا يساوي وقوعها من خارج ملكه، وهذه حالة الواحد منا ما يعصي ربه إلا في دار مملكته، فإن الدنيا وما فيها لله لا شريك له في ذلك.
فإن انضاف إلى ذلك خصلة رابعة وهي أن الجناية وقعت في خواص الملك أو كبار جنوده، أو بعض قواده في نفس أو مال أو عرض كان ذلك أكبروأعظم من مخالفته لهذا السيد المعظم فيما يختص نفسه من الخدمة وهذه حالة الواحد منا في معصية الله تعالى فيما يتعدى إلى المؤمنين الذين هم أصفياء رب العالمين.
فإن انضاف إلى ما تقدم خصلة خامسة وهي أن يكون هذا الملك منعما على هذا العبد نعما زائدة على الإنفاق المعهود للخدام أضعافا مضاعفة، نحو أن يوليه ممالك وأموالا عظيمة، ويقول له: إن غرضي بخدمتك في هذه الممالك ما يرجع إلا الى منفعتك، فإني لا أحتاج إلى شئ من تصرفك، ولا إلى صغير ولا كبير مما خولتك، فإن معصية هذا العبد فيما يرجع إلى منفعة العبد تكون من أعظم الجرائم، وأكبر المآثم، حتى لا يساويها شئ مما ذكرناه أولا، أصلا أبدا.
صفحة ٢٢
فهذه حالتنا مع الله تعالى بل هي أعظم لأنه خلق لنا الحياة والشهوة والمشتهي والعقل ووكل الانتفاع بذلك إلينا، وعرفنا أنه لا يحتاج لشئ من ذلك، فتحققنا ذلك وعلمناه، وبين لنا أيضا أن معصيتنا له لا تضره، وإنما هي تضرنا، ويرجع وبالها علينا، ولا أعظم من معصيتنا له، ولا أكبرمن جرأتنا عليه.
فإن انضاف إلى ما تقدم خصلة سادسة وهي أن يكون هذا السيد المالك مدرا بنعمته على هذا العبد في كل يوم من الأيام بحيث يعطيه كل يوم غير ما أعطاه أولا معه، فإن مقابلة ذلك بالمعصية له يكون أعظم الكفران، وأخسر الخسران، بحيث تزيد على ما تقدم بدرجات كثيرة، لا تكاد يدرك كنهها، ولا يعرف تفصيلها.
وهذه حالتنا مع القديم جل وعز فإنه يجدد لنا في كل يوم بل في كل ساعة بل فيما هو أقل من الساعة نعما لا تحصى ولا تنعد، ولو لم يكن إلا هذا الروح الذي يجريه لنا في كل وقت وحين، وكذلك العقل والشهوات، وأجناس ذلك لكان لنا فيه كفاية، كيف والنعم دارة علينا لا تنفك منا، وليس علينا نعمة تتجدد في كل وقت وأوان إلا من الملك الديان قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}(1) وقال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله}(2) فمعصيتنا له مع ذلك أعظم العصيان فالله المستعان.
وإذا انضاف إلى ما تقدم خصلة سابعة
وهي أن تكون معصية العبد بنفس هذه النعم المتوالية عليه من مولاه العظيم كانت أعظم وأكبرمن جميع ما تقدم، نحو أن يهب له سيفا محليا بأنواع الجواهر واليواقيت والعسجد، ويكون السيف من الفضة، فيضرب هذا العبد الذليل بهذا السيف الحسن الذي هو نعمة الملك أحب أولاده إليه، فإن هذا من أعظم الجرائم وأرذل الرذائل.
صفحة ٢٣