الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن العبد ليذنب الذنب فيحرم قيام الليل).(1) نعم. وكما أن الغذاء الدنياوي ينقسم إلى ما لا بد منه في بقاء الحياة، وإلى ما يكون من الفضلات المقويات، والمربيات والمسمنات، فكذلك الغذاء الأخروي، وهي الطاعة فإنه ينقسم إلى ما لا بد منه في لزوم الحياة الهنية، وهي الطاعة بالواجبات، وإلى ما يكون من الفضلات المرقية إلى أعلى الدرجات، وهو سائر الطاعات من المندوبات.
وكما أن الداء الدنياوي ينقسم إلى ما يكون مقاوما للغذاء الدنياوي مساويا له، فيكون رافعا لنفع الغذاء ومزيلا له، وإلى ما يكون ناقصا عنه، ويكون مزيلا لبعض نفع الغذاء، وإلى ما يكون زائدا عليه ويكون ضارا ومزيلا لنفع الغذاء.
وينقسم الزائد على الغذاء إلى ما تكون زيادته عظيمة، وإلى ما تكون نزرة قليلة، وإلى وسائط بين ذلك، وإلى أعلى منها وأعظم ؛ فتزول منفعة الغذاء، وتعظم مضرة الداء، فكذلك الأدواء الأخروية، وهي الذنوب فإنها تنقسم إلى ما يكون مساويا للغذاء الأخروى وهو الطاعات، ومقاوما له، وإلى ما يكون ناقصا عنه، وإلى ما يكون زائدا عليه، فالأول والثاني هي الصغائر من السيئات، وأحدهما وهو المساوي يكون أعظم من الآخر، وهو الناقص.
والثالث: وهو الزائد من الداء على الغذاء وهو الكبائر، وهي تنقسم إلى ما تكون زيادته عظيمة جدا وهي الكفر. وإلى مادون ذلك وهو الفسق، وكلما عظمت زيادته كان أكثر حتى ينتهي إلى منزلة الكفر.
ثم الكفر أيضا يتزايد حتى ينتهي إلى نفي الربوبية، أواثبات الشريك، ثم لا داء أعظم من ذلك أصلا
فعرفت أن الأدواء الأخروية على مثال الأدواء الدنياوية، فكما يجب حسم مادة الأدواء الدنياوية عند خوف هيجانها، فكذلك يجب حسم مادة الأدواء الأخروية وهي الذنوب ؛ لئلا تهيج، ويجب التجنب لها ؛ لأن المكلف قادر على تجنبها، كما يجب تجنب المضار والمتالف الدنياوية.
وهذا شئ يعلم بضرورة العقل، فناقص العقل وخسيس المنزلة عند العقلاء من يعمل بخلافه.
صفحة ٣١٦