الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الناشر
دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م
مكان النشر
سورية
تصانيف
إنه يعلم أن كل شعب مستعمَر يحقد على الاستعمار، فتراه إذن يستخدم جاذبية اسمه نفسه ليربط براءة الشعب المستعمَر، وشهوات (مركب الأفراد) الذي يتزعم حياته السياسية.
إن كلمة (استعمار) هي أخطر سلاح يستخدمه الاستعمار، وأحكم فخ ينصبه للجماهير، وما من خائن يدسه الاستعمار في الجبهة التي تكافح فيها الشعوب المستعمَرة، إلا وكلمة (استعمار) هي التي تفتح له أبوابًا مغلقة في عواطف الجماهير.
وبهذا وبغيره من الشعارات المثيرة، يتمكن الاستعمار من وضع الطابع البدائي على سياسة البلاد المستعمرة، ليقرر لنفسه بذلك انتصارات الحاضر والمستقبل، فهو يعلم أنه من الميسور دائمًا أن يخدع فردًا أو زمرة أفراد، ولكنه من العسير عليه أن يخدع بفكرة أو يغري بها.
ومن هنا ندرك ما سيبذل الاستعمار من جهد، لعزل الأفكار عن المجال السياسي، حتى إن عمليات الرقابة والتصحيح والنقد الذاتي، التي من شأنها أن تكشف نواياه وتعطل مشروعاته، تصبح غير ممكنة في البلاد المستعمَرة.
إن الاستعمار شيطان، ولكنه لو جهر بإعجابه (بمركب الأفراد) وشكره على الخدمات التي يقدمها له، عن شعور أو عن غير شعور، لكان دون شك، شيطانًا بليدًا أبلد من وزير الخارجية الأمريكي، لو أنه شكر عن طريق الإذاعة أو الصحافة، حكومة إفريقية آسيوية لأنها سمحت له بإنشاء قاعدة حربية في بلادها، لتجذب إليها الصواعق الذرية بعيدًا عن أمريكا إذا ما نشبت حرب عالمية ثالثة.
إن الشيطان- أو بعبارة أخرى الاستعمار - يكون أبلد من هذا الوزير الفضولي، لو أنه شكر (مركب الأفراد) على أنه أمعاء تهضم غذاءها بكل هدوء، فلا تكشف نواياه ولا مشاريعه.
1 / 28