الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الناشر
دار الفكر الجزائر / دار الفكر دمشق
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٠٨ هـ = ١٩٨٨ م / ط ١ القاهرة ١٩٦٠ م
مكان النشر
سورية
تصانيف
إن الاستعمار يحسب حسابًا لكل أعماله وأقواله، حتى لا ينفك الاتصال بين مصالح مركب الأفراد، وبين انفعالات الشعب، أي بين شهوات البطون المؤثرة وبين الأوضاع العاطفية الواقعة تحت تأثيرها.
والمحافظة على هذا إلاتصال هو الشرط الأساسي في خطة الاستعمار الاستراتيجية، التي تقتضي في حالة التطبيق:
أولًا: أن يضرب الاستعمار كل قوة مناهضة له، تحت أي راية تجمعت.
ثانيًا: أن يحول في كل الظروف، بينها وبين أن تتجمع تحت راية أكثر فعالية.
وهذان الشرطان يحددان استراتيجية الاستعمار في الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة: إنه يحول بين الفكر والعمل السياسي حتى يبقى الأول غير مثمر والثاني أعمى.
وهو من أجل هذا، يطبق طريقة التجميد، التي تطبق في جبهة القتال لتجميد قوات العدو عند نقطة معينة.
فالاستعمار يتبع في ذلك طريقة تطبق في بعض الألعاب الإسبانية: إنهم يلوحون بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هيجانه بذلك. فبدلًا من أن يهجم على المصارع يستمر في الهجوم على المنديل الأحمر الذي يلوح به حتى تنتهك قواه ...
فالاستعمار يلوح في مناسبات معينة، بشيء يستفز به الشعب المستعمَر حتى يثير غضبه، ويغرقه في حالة شبيهة بالحالة التنويمية التي يفقد معها شعوره ويصبح عاجزًا عن إدراك موقفه، وعن الحكم عليه حكمًا صحيحًا، فيوجه ضرباته وإمكانياته توجيهًا أعمى، ويسرف من قواه دون أن يصيب بضربة
1 / 29