(16) وأما العلم الطبيعي فإنه ينظر في جميع ما هو شيء شيء من هذا المشار إليه، وفي سائر المقولات التي توجب ماهية أنواع ما هو هذا المشار إليه أن توجد لها. وينظر أيضا فيما ينظر فيه التعاليم من حيث هي بهذه الحال، فإن جلها - بل جميعها - توجب ماهية أنواع ما هو هذا المشار إليه أن توجد لها. فالتعاليم ينظر فيها مخلصة عن جميع أنواع ما هو هذا المشار إليه، والعلم الطبيعي ينظر فيها من حيث هي أنواع ما هو هذا المشار إليه. والتعاليم يقتصر بين أسباب هذه على ماذا هو كل واحد منها، والعلم الطبيعي يعطي جميع أسباب كل ما ينظر فيه، فإنه يلتمس أن يعطي في كل واحد منها ماذا هو وعماذا هو وبماذا هو ولماذا هو. والتعاليم لا يأخذ في ماذا هو كل واحد مما يعطي ماهيته أمور ا خارجة عن المقولات أصلا. وأما العلم الطبيعي فإنه يعطي أيضا في أسبابه أمورا غيرها خارجة عن المقولات. فإنه يعطي في الأمكنة التي سبيله أن يعطي فيها الفاعل فاعلا غيره خارجا عن المقولات الفاعلة، أو يرقى إلى أن يعطي غاية الغاية، وغاية غاية الغاية، حتى يروم المصير إلى حصول الغايات والأغراض التي لها كون ما تشتمل عليه المقولات. فإذا التمس أن يعطي ما هو كل واحد من أجزاء أجزاء الماهية حتى يعطي أقصى ما يمكن أن يوجد في ماهياتها، هجم حينئذ على أسبابه معقولة خارجة عن المقولات وعلى أمور من أجزاء ماهيته هي خارجة عن المقولات، فهجم على أمور هي فاعلة خارجة عن المقولات وعلى أمور يعلم أنها غايات إلا أنها خارجة عن المقولات، إلا أنها أجزاء ماهية الأشياء مما في المقولات، وهي أجزاء بألتئامها وتركيب بعضها إلى بعض يكون ذلك الشيء الذي هو من المقولات. إلا أن تلك الأجزاء لم تكن موصوفة بشيء مفارق لأنها إذا كانت أجزاء ماهية الشيء الذي هو أحد ما في المقولات، كان في جملة ما هو في ذلك الشيء. فإنه إن كان ذلك الشيء هو المشار إليه، وكانت تلك الأشياء أجزاء ماهيته، كان غير خارج عما هو ذلك المشار إليه ولا مفارقا له، فيكون ذلك داخلا في المقولات. إلا أنها على كل حال تكون غير مفارقة للأش ي اء التي في المقولات، إذ كان جملة الشيء غير مفارق لتلك الجملة. وأما الفاعل والغاية فقد يكون خارج الشيء ومفارقا له. فإذا كان كذلك فقد أعطى أقصى ما به ماذا الشيء - أي ما هو غي مفارق للشيء الذي يلتمس إعطاء ماهيته من الأنواع التي في المقولات - وأقصى فاعل يكون مفارقا له، وكذلك أقصى غاية له. فالعلم الطبيعي يهجم إذن عند نظره في المقولات على أشياء خارجة عن المقولات غير مفارقة لها بل هي منها، وعلى أشياء خارجة عنها ومفارقة لها. فعند هذه يتناهى النظر الطبيعي.
(17) وينبغي بعد ذلك أن ينظر في الأشياء الخارجة عن المقولات بصناعة أخرى وهي علم ما بعد الطبيعيات. فإنها تنظر في تلك وتستقصي معرفتها وتنظر في ما تحتوي عليه المقولات من جهة ما تلك الأمور أسبابها - حتى في ما تحتوي عليه التعاليم منها والعلم المدني وما يشتمل عليه المدني من الصنائع العملية. وعند ذلك تتناهى العلوم النظرية.
صفحة ٤