(18) والمقولات هي أيضا موضوعة لصناعة الجدل والسوفسطائية، ولصناعة الخطابة ولصناعة الشعر، ثم للصنائع العملية. والمشار إليه الذي إليه تقاس المقولات كلها هو الموضوع للصنائع العملية. فبعضها يعطيه كمية ما، وبعضها يعطيه كيفية ما، وبعضها أينا ما، وبعضها وضعا ما، وبعضها إضافة ما، وبعضها يعطيه أن يكون في وقت ما، وبعضها يعطيه ما يتغشى سطحه، وبعضها أن يفعل، وبعضها أن ينفعل، وبعضها يعطيه اثنين من هذه، وبعضها ثلاثة من هذه، وبعضها أكثر من ذلك. فإنك إذا تأملت موضوع صناعة صناعة من الصنائع العملية وجدته شيئا ما مشارا إليه تقاس المقولات. إلا أن ما يتصور صاحب الصناعة في نفسه من ذلك هو نوعه، فإذا فعل فعل في مشار إليه يحمل عليه ذلك النوع حمل ما هو. فإن الصناعة التي في نفس إنسان إنسان إنما تلتئم من أنواع موضوعها ومن أنواع الأشياء التي تعطي ذلك الموضوع وتفعل فيه، فإذا فعلت فعلت في مشار إليه من النوع المعقول. وذلك بصناعة الخطابة وصناعة الشعر، وفيما يختصان به، دون السوفسطائية والجدل والفلسفة، فإن كل واحدة منهما إنما تتكلم وتخاطب حين ما تتكلم وتخاطب في المشار إليه من التي إليها تقاس المقولات وتعرف بأشياء مما في المقولات، وأما الخطابة فإنها تلتمس أن تقنع بأن فيه شيئا ما مما في المقولات، وأما الشعر فيلتمس أن يخيل بأن فيه شيئا ما مما في المقولات. وما في نفس الخطيب والشاعر من كل واحدة منهما فإنما يلتئم من نوع نوع من أنواع موضوعاتها، ومن نوع نوع من أنواع ما يلتمس الخطيب أن يقنع به أنه في الموضوع ويلتمس الشاعر أن يخيل به أنه في الموضوع. والخطابة إنما تلتئم من نوع ما فيه تقنع ومن نوع ما إياه تقنع، والشعر ياتئم من نوع ما فيه يخيل ومن نوع ما إياه يخيل. والفلسفة والجدل والسوفسطائية فإنها لا تعدو الأنواع ولا تنحط إلى المشار إليه.
الفصل السادس:
أسماء المقولات
(19) وينبغي لك إن أردت أن تعرف تلك المقولات أن تكون قد عرفت المتفقة أسماؤها؛ والمتواطئة أسماؤها؛ والمتوسطة بين المتفقة أسماؤها وبين المتواطئة أسماؤها - وهي التي تسمى باسم واحد وتنسب إلى أشياء مختلفة بشيء متشابه من غير أن تسمى تلك الأشياء التي تنسب إليها باسم هذه ومن غير أن يسمى ذلك الواحد باسم تلك الأشياء، والتي تسمى باسم واحد وتنسب إلى شيء واحد من غير أن يسمى ذلك الواحد باسم تلك الأشياء، والتي تسمى باسم واحد مشتق من اسم الشيء الذي إليه تنسب، مثل " الطبي " المشتق من اسم الطب، والتي تسمى باسم واحد هو بعينه اسم الشيء الذي إليه تنسب - وكل واحد من هذه إما متساو وإما متفاضل؛ ثم المتباينة أسماؤها؛ والمترادفة أسماؤها؛ والمشتقة أسماؤها.
(20) وينبغي أن تعلم أيضا الأسماء المتفقة أشكال ألفاظها والمتواطئة أشكال ألفاظها وترتاض في هذه أيضا، فإنها من المغلطات العظيمة التغليط. فمن ذلك ما شكله شكل مشتق ومعناه معنى مشتق، كقولنا " الرجل كرم " أي كريم. ومنه ما شكله شكل فعل ومصدر، ومعناه معنى مفعول، كقولنا " خلق الله " أي مخلوقه. ومنه ما شكله شكل ما يفعل ومعناه معنى ما ينفعل.ومنه ما شكله شكل مفعول ومعناه معنى فاعل، مثل " سميع عليم " أي عالم وسامع أو مستمع.
(21) ومما ينبغي أن تعلمه أن لفظا على شكل ما وبنية ما يكون دالا بنفسه على شيء ما بمعنى أو على معنى بحال ما، ثم يجعل ذلك اللفظ بعينه دالا على معنى آخر مجرد عن تلك الحال؛ فتكون بنيته بنية مشتق يدل في شيء ما على ما تدل عليه سائر المشتقات، ويستعمل بتلك البنية بعينها في الدلالة على معنى آخر مجرد عن كل ما تدل عليه سائر المشتقات.
صفحة ٥