حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة

ابن قدامة المقدسي ت. 620 هجري
19

حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة

محقق

عبد الله يوسف الجديع

الناشر

مكتبة الرشد

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٩

مكان النشر

الرياض

بِهِ وَكَيف تصور مِنْهُم ان يدينوا بِهِ ويتواطأوا على كِتْمَانه حَتَّى لَا ينْقل عَن أحد مِنْهُم مَعَ كثرتهم وتفرقهم فِي الْبلدَانِ فَإِن تصور ذَلِك مِنْهُم فَمن الَّذِي نَقله إِلَى التَّابِعين حَتَّى اعتقدوه فَكل هَذَا من المستحيل الَّذِي يقطع كل ذِي لب بفساده وَيعلم يَقِينا أَن رَسُول الله ﷺ واصحابه وتابعيهم مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْقُرْآن اعتقادا سوى اعْتِقَاد الْمُسلمين وانه هَذَا الْقُرْآن الْعَرَبِيّ الَّذِي هُوَ سور وآيات وَهَذَا أَمر لَا يخفى على غير من أضلّهُ الله وَإِن تصور فِي عُقُولهمْ أَن الْحق خَفِي على رَسُول الله ﷺ وعَلى أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ وعَلى الْأَئِمَّة الَّذين مهدوا الدّين واقتدزا بسلفهم وَاقْتَدوا بهم من بعدهمْ وغطي عَنْهُم الصَّوَاب وَلم يتَبَيَّن لَهُم الصَّحِيح إِلَى أَن جَاءَ الْأَشْعَرِيّ فبينه وأوضح مَا خَفِي على النَّبِي ﷺ وَأمته وكشفه فَهَذِهِ عقول سخيفة وآراء ضَعِيفَة إِذْ يتَصَوَّر فِيهَا أَن يضيع الْحق عَن النَّبِي ﷺ ويجده الْأَشْعَرِيّ ويغفل عَنهُ كل الْأمة وينتبه لَهُ دونهم وَإِن سَاغَ لَهُم هَذَا سَاغَ لسَائِر الْكفَّار نسبتهم لنبينا ﵇ وامته إِلَى أَنهم ضَاعُوا عَن الصَّوَاب وأضلوا عَن الطَّرِيق وَيَنْبَغِي ان تكون شريعتهم غير شَرِيعَة مُحَمَّد ﷺ وَدينهمْ غير دين الْإِسْلَام لِأَن دين الْإِسْلَام هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد ﷺ وَهَذَا إِنَّمَا جَاءَ بِهِ الْأَشْعَرِيّ وَإِن رَضوا هَذَا واعترفوا بِهِ خَرجُوا عَن الْإِسْلَام بِالْكُلِّيَّةِ فَإِن قَالُوا فَكيف قُلْتُمْ إِن الْقُرْآن حُرُوف وَلم يرد فِي كتاب وَلَا سنة وَلَا عَن أحد من الْأَئِمَّة قُلْنَا قد ثَبت ان الْقُرْآن هُوَ هَذِه السُّور والآيات وَلَا خلاف بَين الْعُقَلَاء كلهم مسلمهم وكافرهم فِي أَنَّهَا حُرُوف وَلَا يخْتَلف عاقلان فِي أَن ﴿الْحَمد﴾ خَمْسَة أحرف وَاتفقَ الْمُسلمُونَ كلهم فِي أَن سُورَة الْفَاتِحَة سبع آيَات وَاخْتلفُوا فِي أَن ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾ هَل هِيَ آيَة مِنْهَا أم لَا وَاتَّفَقُوا كلهم على أَنَّهَا كَلِمَات وحروف وَقد افْتتح الله تَعَالَى كثيرا من سور الْقُرْآن بالحروف الْمُقطعَة مثل ﴿الم﴾ و﴿الر﴾

1 / 36