قوله: «أو الكراهة» قد يقال: إنه يقتضي دخولها في الجواز المبين بقوله: «من الإذن في الفعل» مع أن الإذن فيه لا يدخلها، ويجاب: بمنع أنه لا يدخلها، إذ الإذن في الشيء تجويزه.
قوله: «وقيل هو الاستحباب» إلى آخره، اعتبر في كل من الأقوال الثلاثة، رفع الحرج عن الفعل والترك، لكنه مطلق في الأول، ومقيد باستواء الطرفين في الثاني، وبترجح الفعل في الثالث، والخلف معنوي.
واعتبر العراقي كالزركشي: رفع الحرج عن الفعل فقط في الأول، وجعله الأشهر، ثم نقل عن بعضهم: أن الخلف لفظي، لأن الجواز يعني الثاني، إن فسر برفع الحرج عن الفعل، فهو في ضمن الوجوب، أو برفعه عن الفعل والترك، فليس في ضمنه، بل ينافيه.
الواجب المخير
صاحب المتن: مسألة: الأمر بواحد من أشياء، يوجب واحدا لا بعينه .
الشارح: «مسألة الأمر بواحد» مبهم «من أشياء» معينة، كما في كفارة اليمين، فإن في آيتها الأمر بذلك تقديرا «يوجب واحدا» منها «لا بعينه»، وهو القدر المشترك بينها
المحشي: «مسألة الأمر بواحد مبهم من أشياء معينة» فيه إشارة إلى ما ذكره المحققون، من أن متعلق الإيجاب، وهو المبهم الذي في ضمن معينات لم يخير فيه، والمخير فيه وهو كل من المعينات لم يجب منه شيء، وإن تأدى به الواجب، لتضمنه مفهوم أحدها كما يأتي في كلامه.
وقوله: «معينة» أي بنوعها لا بشخصها، لأن المعين بالشخص إنما يكون بعد وقوعه في الخارج.
قوله: «يوجب واحدا منها لا بعينه» إلى آخره، اقتصر على إيجابه في الأمر به، وعلى تحريمه في النهي عنه، والقياس مجيء الندب في الأول، والكراهة في الثاني.
قوله: «وهو القدر المشترك بينها» قال العراقي: «المراد به أحد قسميه، وهو المبهم من معينات كأحد الرجلين، أما القسم الآخر وهو المتواطئ، كالرجل فلا إبهام فيه، لأن حقيقته معلومة متميزة عن غيرها»، وفيما قاله نظر، إذ القدر المشترك لكونه كليا أحد قسميه المشكك، وهو لا ينحصر في المبهم المذكور كعكسه، وإن اقتضى كلامه حصر كل منهما في الأجزاء.
الشارح: في ضمن أي معين منها، لأنه المأمور به.
المحشي: إذ الكلي إن تساوى معناه في أفراده فمتواطئ، كالإنسان، وإلا فمشكك كالبياض، فالمبهم المذكور قد يكون متواطئا، وقد يكون مشككا، وإن كان هو في آية الكفارة مشككا، وكأنه توهم منها أنه لا يكون إلا مشككا، وليس كذلك.
قوله: «في ضمن أي معين منها» أشار به إلى أن القدر المشترك بين المعينات إنما يطلب في ضمنها، لا مجردا عنها، إذ يستحيل طلب ما لا يوجد، وهو إنما يوجد في ضمنها، لا مجردا عنها، فقوله: «لأنه» أي القدر المشترك بينها، في ضمن أي معين منها.
صاحب المتن: وقيل: الكل يسقط بواحد.
الشارح: «وقيل» يوجب «الكل» فيثاب بفعلها ثواب فعل واجبات، ويعاقب بتركها عقاب ترك واجبات، «ويسقط» الكل الواجب «بواحد» منها، حيث اقتصر عليه، لأن الأمر تعلق بكل منها بخصوصه على وجه الاكتفاء بواحد منها، قلنا: إن سلم ذلك لا يلزم منه وجوب الكل المرتب عليه ما ذكر.
المحشي: قوله: «وقيل يوجب الكل فيثاب بفعلها ثواب فعل واجبات» ظاهره أن الخلاف في هذا، مع ما قبله معنوي، وهو ما عليه الآمدي، وابن الحاجب وغيرهما.
صفحة ٥١