«ثم قال» في المحصول أيضا، «هو» أي العلم، «حكم الذهن الجازم المطابق لموجب» وقد تقدم شرح ذلك، فحده مع قوله إنه ضروري، لكن بعد حده. فثم هنا للترتيب الذكري لا المعنوي، «وقيل:» هو ضروري فلا يحد» إذ لا فائدة في حد الضروري، لحصوله من غير حد.
المحشي: فقوله: «وهو» أي العلم بأنه موجود إلى آخره، «علم تصديقي خاص» متعلق بمعلوم خاص وهو وجوده أو التذاذه أو تألمه. قوله: «فيكون تصور مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا» أي لأنه جزء ذلك العلم الخاص والعلم بالجزء سابق على العلم بالكل، فإذا كان الكل ضروريا، كان العلم المطلق -الذي هو جزؤه - سابقا عليه ضروريا، بل أولى.
قوله: «وأجيب» إلى آخره هو جواب على القول بأن التصديق هو الإدراكات مع الحكم كما هو رأي الإمام أما على القول بأنه الحكم كما هو رأي الجمهور. فأجيب بأن الإدراكات ليست أجزاء للحكم بل شروط له. قوله: «فحده» مع.
الشارح: وصنيع الإمام لا يخالف هذا، وإن كان سياق المصنف بخلافه، لأنه حده أولا بناء على قول غيره من الجمهور إنه نظري، مع سلامة حده عما ورد على حدودهم الكثيرة، ثم قال: إنه ضروري اختيار، دل على ذلك قوله في المحصل: اختلفوا في حد العلم، وعندي أن تصوره بديهي أي ضروري، نعم قد يحد الضروري لإفادة العبارة عنه.
المحشي: قوله: «إنه ضروري» أي عنده، وسيأتي توجيهه قوله «إذ لا فائدة في حد الضروري» أي فائدة هي المقصودة من الحد، وهي تحصيل تصور، ليس بحاصل في الذهن، بقرينة قوله: «لحصوله من غير حد»، فلا ينافي ما نقله بعد عن الإمام، من أنه قد يحد لإفادة العبارة عنه، على أنه يؤخذ من كلام الإمام هذا، أنه حده مع أنه ضروري، بناءا على ذلك، فلا يتعين بناؤه على قول الجمهور إنه نظري.
قوله: «وإن كان سياق المصنف بخلافه» أي لإفادته ما صرح به الشارح قبل من قوله: «فحده» مع قوله: «إنه ضروري».
قوله: «لأنه حده أولا بناءا على قول غيره من الجمهور إنه نظري» تعليل لقوله: «لا يخالف هذا». وما قاله لا ينافي قول السيد إنه حده بعد تنزله عن كونه ضروريا، أي ولو سلمنا أنه نظري، حد بما ذكر.
صاحب المتن: وقال إمام الحرمين: عسر، فالراي الإمساك عن تعريفه.
الشارح: «وقال إمام الحرمين:» هو نظري «عسر»، أي لا يحصل إلا بنظر دقيق لخفائه، «فالرأي» بسبب عسره من حيث تصوره بحقيقته، «الإمساك عن تعريفه» المسبوق بذلك التصور العسر، صونا للنفس عن مسبقة الخوض في العسر، قال: كما أفصح به الغزالي تابعا له، ويميز عن غيره الملتبس به من أقسام الاعتقاد، بأنه اعتقاد جازم مطابق ثابت، فليس هذا حقيقته عندهما، وظاهر ما تقدم من صنيع الإمام الرازي أنه حقيقة عنده.
المحشي: «وقال إمام الحرمين: عسر» اعتراض بأن هذا غير مختص بالعلم، بل الحدود والرسوم كلها عسرة، وإن كان العسر في العلم أزيد ويجاب: بأن معنى قوله: «عسر» أنه عسر جدا، لأن تنكيره للتعظيم بقرينة السياق.
قوله: «فالرأي الإمساك عن تعريفه» فيه ميل إلى كلام إمام الحرمين.
هل يتفاوت العلم؟
صاحب المتن: ثم قال المحققون: لا يتفاوت، وإنما التفاوت بكثرة المتعلقات.
الشارح: «ثم قال المحققون: لا يتفاوت» العلم في جزيئاته، فليس بعضها -وإن كان ضروريا- أقوى في الجزم من بعض -وإن كان نظريا-، «وإنما التفاوت» فيها «بكثرة المتعلقات» في بعضها دون بعض، كما في العلم بثلاثة أشياء، والعلم بشيئين، بناء على اتحاد العلم مع تعدد المعلوم، كما هو قول بعض الأشاعرة، قياسا على علم الله تعالى. والأشعري وكثير من المعتزلة على تعدد المعلوم، فالعلم بهذا الشيء غير العلم بذلك الشيء.
صفحة ٤٤