المحشي: قوله: «من حس أو عقل أو عادة» مانعة خلو، إذ قد يكون الموجب مركبا من حس وعقل كالتواتر، أو من حس وعادة، كالحكم بأن الجبل من حجر ممن شاهده. والحس يشمل الظاهر -وقد مثل له بعد- والباطن، كما في علم العبد بجوعه وعطشه، ونحو ذلك من الوجدانيات. قوله: «كالتصديق أي الحكم» إلى آخره، أمثلة للأنواع قبله بطريق اللف والنشر المرتب.
صاحب المتن: وغير الجازم: ظن، ووهم، وشك، لأنه إما راجح، أو مرجوح، أو مساو.
الشارح: كما قال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما: الشك اعتقادان يتقاوم سببهما. وقيل: ليس الوهم والشك من التصديق، إذ الوهم ملاحظة الطرف المرجوح، والشك التردد في الوقوع واللاوقوع.
قال بعضهم: وهو التحقيق، فما أزيد -مما تقدم- من أن العقل بحكم بالمرجوح أو المساوي عنده، ممنوع على هذا.
المحشي: قوله: «قال بعضهم» أي كالسعد التفتازاني فإنه قال: «جعل الوهم والشك من أقسام التصديق مخالف للتحقيق». ووافقه السيد قال: «لأنه لا بد في الحكم من رجحان، ولا رجحان في الوهم والشك» انتهى.
والقائل كالمصنف بأنهما من أقسام التصديق، أجاب: بأن الوهم حاكم بالطرف المرجوح حكما مرجوحا، والشاك حاكم بجواز كل من النقيضين بدلا عن الآخر، ومن أجاب بأن ذكرهما ليس من حيث إنهما من أقسام التصديق، بل لأن امتياز أقسامه - على الوجه الأكمل- موقوف عليهما، فقد سلم أنهما ليسا من أقسامه.
هل يحد العلم؟
صاحب المتن: والعلم: قال الإمام: ....
الشارح: «والعلم» أي القسم المسمى بالعلم، من حيث تصوره بحقيقته بقرينة السياق، «قال الإمام» الرازي في المحصول ...
المحشي: قوله: «المسمى بالعلم» أي التصديقي بقرينة ما يأتي. قوله: «من حيث تصوره بحقيقته» فيه وفي ما يأتي إشارة إلى أن محل النزاع إنما هو في حده الحقيقي لا الرسمي.
قوله: «بقرينة السياق» هي ذكره الخلاف في أنه ضروري يحد، أو لا يحد، أو أنه نظري عسر، وذكره له عقب التقسيم المميز لكل منه، ومن الاعتقاد، والظن، والوهم، والشك، عن غيره منها.
صاحب المتن: ضروري ....
الشارح: «ضروري» أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه، من غير نظر واكتساب، لأن علم كل أحد، حتى من لا يتأتى منه النظر - كالبله والصبيان - بأنه عالم بأنه موجود أو ملتذ أو متألم ضروري بجميع أجزائه، ومنها تصور العلم بأنه موجود أو ملتذ أو متألم بالحقيقة، وهو علم تصديقي خاص، فيكون تصور مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا، وهو المدعى.
المحشي: قوله: «لأن علم كل أحد» أي تصديقه بما ذكر ضروري. قال غيره ولأن غير العلم إنما يعلم به فلو علم العلم بغيره كان دورا وسيأتي جواب الأول.
وأجيب عن الثاني بأن غير العلم يتوقف تصوره على حصول العلم، وتصور العلم يتوقف على تصور غيره، وبأن المطلوب بحد العلم، العلم بالعلم، وغير العلم يتصور بالعلم لا العلم بالعلم فلا دور.
قوله: «بجميع أجزائه» أي وهي إدراك النسبة وطرفيها مع الحكم على ما جرى عليه المصنف تبعا للإمام، وإذا ركبت القضية فيما ذكره، قلت علمي بأني موجود أو ملتذ أو متألم معلوم لي بالضرورة.
صاحب المتن: ثم قال: هو حكم الذهن الجازم المطابق لموجب، وقيل: هو ضروري، فلا يحد.
الشارح: وأجيب: بأنا لا نسلم أنه يتعين أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلم المذكور بالحقيقة، بل يكفي بوجه، فيكون الضروري تصور مطلق العلم التصديقي بالوجه، لا بالحقيقة الذي هو محل النزاع.
صفحة ٤٣