وأجيب عن القياس: بأنه خال عن الجامع، وعلى هذا لا يقال يتفاوت العلم بما ذكره.
المحشي: قوله: «المسبوق بذلك التصور العسر» قد يقال هذا التصور مفاد من التعريف، فكيف يكون سابقا عليه بل الأمر بالعكس؟ ويجاب: بأن كونه سابقا عليه بالنظر للمعرف، وكونه مفادا منه بالنظر لغيره.
قوله: «وعلى هذا» أي قول الإمام الأشعري، وكثير من المعتزلة «لا يقال يتفاوت العلم بما ذكره» أي بكثرة المتعلقات.
تعريف الجهل
صاحب المتن: والجهل: انتفاء العلم بالمقصود.
الشارح: وقال الأكثرون يتفاوت العلم في جزئياته، إذ العلم مثلا بأن الواحد نصف الاثنين، أقوى في الجزم من العلم بأن العالم حادث.
وأجيب: بأن التفاوت في ذلك ونحوه ليس من حيث الجزم، بل من حيث غيره، كألف النفس بأحد المعلومين دون الآخر.
«والجهل انتفاء العلم بالمقصود»، أي ما من شأنه أن يقصد.
المحشي: إذ الغرض أن العلم لا يتعدد بتعدد متعلقه، وإنما يتفاوت بقلة الغفلة عن أحد المعلومين، لألف النفس له دون الآخر، كما ذكره الشارح في الجواب الآتي في كلامه. قوله: «وقال الأكثرون يتفاوت العلم» مقابل قول المصنف «قال المحققون لا يتفاوت» ومن فوائد الخلاف أن الإيمان هل يزيد وينقص؟ بناء على أنه من قبيل المعلوم، لا الأعمال خلافا للمعتزلة.
قوله: «انتفاء العلم» أي العلم الشامل للاعتقاد والظن، وفي ذلك إشارة إلى أن التقابل بين العلم والجهل تقابل العدم والملكة، وهذا شامل للجهل البسيط والمركب، وهو أقعد من تخصيص بعضهم إياه بالبسيط.
الشارح: ليعلم بأن لم يدرك أصلا، ويسمى: الجهل البسيط، أو أدرك على خلاف هيئته في الواقع، ويسمى: الجهل المركب، لأنه جهل المدرك بما في الواقع، مع الجهل بأنه جاهل به، كاعتقاد الفلاسفة أن العالم قديم.
المحشي: وتقابل التضاد المركب، ومنشأ الخلاف فيه الخلاف في تفسيره، فمن فسره بانتفاء العلم بالمقصود الشامل للبسيط، جعل التقابل من تقابل العدم والملكة، ومن فسره بالاعتقاد الجازم الغير المطابق جعله من تقابل التضاد، وتفسيره بالأول أولى منه بالثاني لقصوره على التصديق كما سيأتي.
وأما من جعل ذلك من تقابل التضاد في البسيط والمركب، فجار على العرف واللغة لا الاصطلاح.
قوله: «بأن لم يدرك أصلا» إلى آخره بين به مع يأتي أن تعريف المصنف المذكور يشمل قسمي الجهل، البسيط والمركب، وأن تعريفه الآتي خاص بالمركب، قاصدا بذلك الرد على من زعم كالزركشي: أن الأول: تعريف للجهل البسيط، والثاني: للمركب، لأن المعروف تقسيم الجهل إلى بسيط ومركب، لا نقل خلاف في تعريفهما.
صاحب المتن: وقيل: تصور المعلوم على خلاف هيئته.
الشارح: «وقيل» الجهل: «تصور المعلوم» أي إدراك ما من شأنه أن يعلم، «على خلاف هيئته» في الواقع، فالجهل البسيط على الأول ليس جهلا على هذا، والقولان مأخوذان من قصيدة ابن مكي في العقائد. واستغنى بقوله: «انتفاء العلم» عن التقييد في قول غيره: «عدم العلم عما من شأنه العلم» لإخراج الجماد والبهيمة عن الاتصاف بالجهل،
المحشي: قوله: «أي إدراك ما من شأنه أن يعلم» دفع به الاعتراض: بأنه كان ينبغي أن يعبر بالشيء بدل المعلوم، لأن هذا جهل لا علم فيه. قوله: «والقولان مأخوذان من قصيدة ابن مكي» أي المسماة بالصلاحية، لترغيب السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيها.
الشارح: لأن انتفاء العلم إنما يقال فيما من شأنه العلم، بخلاف عدم العلم.
صفحة ٤٥