قال بعضهم: وهو التحقيق. والإيقاع والانتزاع ونحوهما -كالإيجاب والسلب- عبارات. ثم كثيرا ما يطلق التصديق على الحكم وحده.
المحشي: قوله: «مع الحكم المسبوق بالإدراك لذلك» أي للنسبة وطرفها، أشار به إلى أنه لابد من تقدم إدراك ذلك على الحكم بتفسيريه السابق والآتي في كلامه، كما أنه لابد من تقدم إدراك طرفي النسبة على إدراكها الذي هو إدراك معنى الوقوع واللاوقوع، مضافا إليهما، وهذا إدراك لمركب تقييدي من قبيل الإضافة، وتفسير الحكم بما قاله، هو ما عليه متأخرو المناطقة، فهو فعل للنفس. وأما متقدموهم ففسروه بما حكاه بقوله: «وقيل الحكم إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة» فليس فعلا بل انفعال، وهو إدراك لمركب إسنادي، ونبه بقوله: «الصادقين» على وجه تسمية ما ذكر تصديقا، وبقوله: «في الجملة» على أنه ليس بصادق دائما، من حيث ما صدقه، فإنه من هذه الحيثية يحتمل الصدق والكذب.
قوله: «قال بعضهم» هو القطب الرازي قال في شرح المطالع: «التحقيق أنه ليس للنفس هنا - يعني في مسمى التصديق- تأثير وفعل، بل إذعان وقبول للنسبة، وهو إدراك أنها واقعة أو ليست بواقعة». قال: «والحكم وإيقاع النسبة والإسناد كلها عبارات وألفاظ، أي توهم أن للنفس بعد تصور النسبة، وطرفيها فعلا وليس مرادا». وعلى هذا المحققون كالسعد التفتازاني والسيد الجرجاني حيث قال: توهم متأخرو المناطقة أن الحكم فعل من أفعال النفس، بناءا على أن الألفاظ المذكورة تدل لذلك، والحق أنه إدراك، لأنا إذا راجعنا وجداننا، علمنا أنا بعد إدراكنا النسبة الحكمية، لم يحصل لنا سوى إدراك أن تلك النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
أقسام التصديق
صاحب المتن: وجازمه الذي لا يقبل التغير: علم كالتصديق، والقابل: اعتقاد، صحيح إن طابق ، فاسد، إن لم يطابق،
الشارح: كما قيل: إن مسماه ذلك على القولين في معنى الحكم، ومن هذا الإطلاق قول المصنف كغيره، «وجازمه» أي جازم التصديق، بمعنى الحكم، إذ هو المنقسم إلى جازم وغيره، أي الحكم الجازم، ...
المحشي: قوله: «كما قيل: إن مسماه» أي التصديق، «ذلك»، أي الحكم، وحده «على القولين في معنى الحكم»، أي هل هو إيقاع النسبة أو انتزاعها؟ أو إدراك أنها واقعة أو لا؟ فتلخص أن في التصديق قولين:
أحدهما: أنه إدراك النسبة بطرفيها مع الحكم وثانيهما أنه الحكم، وأن في الحكم قولين أحدهما: أنه الإيقاع والانتزاع.
وثانيهما: أنه إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة. وعلى الثاني من كل منهما المحققون كالقطب الرازي، والعضد، والسعد التفتازاني والسيد، والشارح مخالف لهم فيهما، وهو موافق في التصديق للمصنف. قوله: «لموجب» أي لأمر يقتضيه، بمعنى أن الله تعالى يخلق العلم عنده للعبد لا بمعنى التأثير أو التوليد كما مر.
الشارح: «الذي لا يقبل التغير» بأن كان لموجب من حس أو عقل أو عادة، فيكون مطابقا للواقع، «علم كالتصديق» أي الحكم بأن زيدا متحرك ممن شاهده متحركا، أو أن العالم حادث أو أن الجبل حجر، «و» التصديق أي الحكم الجازم، «القابل» للتغير بأن لم يكن لموجب طابق الواقع أولا، إذ يتغير الأول بالتشكيك، والثاني به أو بالإطلاع على ما في نفس الأمر، «اعتقاد» وهو اعتقاد «صحيح إن طابق» الواقع، كاعتقاد المقلد أن الضحى مندوب، «فاسد إن لم يطابق» أي الواقع كاعتقاد الفلاسفة أن العالم قديم، «و» التصديق أي الحكم، «غير جازم» بأن كان معه احتمال نقيض المحكوم به، من وقوع النسبة أولا وقوعها، «ظن ووهم وشك لأنه» أي غير الجازم، «إما راجح» لرجحان المحكوم به على نقيضه فالظن، «أو مرجوح» لمرجوحية المحكوم به لنقيضه فالوهم، «أو مساو» لمساواة المحكوم به من كل من النقيضين على البدل للآخر فالشك فهو بخلاف ما قبله حكمان،
صفحة ٤٢