62

حقيقة الإيمان

تصانيف

فإن الإتيان بعمل من أعمال الكفر الصراح المخرج من الملة (١) يعني بالضرورة فساد الاعتقاد القلبي ولاشك حتى دون أن يصرح بذلك أو حتى دون أن يقصد إليه، وهذا مقتضى ما ظهر من اعتبار الشريعة للتلازم بين الظاهر والباطن. يقول ابن تيمية: " ... وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر كَفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرًا إذ لا يقصد أحد الكفر إلا ما شاء الله" (٢) . ثم أوضح الأمر بعدها فقال: "قال سبحانه: (من كفر بالله من بعد إيمانه - إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان - ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) . ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أكره ولم يرد من قال واعتقد، لأنه استثنى المكره، وهو لا يكره على القصد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرًا من المكرهين، فإنه كافر أيضًا، فصار من تكلم بالكفر كافرًا إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين: (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع" (٣) .

(١) في حالة ثبوت عدم وجود أي عوارض كالإكراه مثلًا والتي يتغير حكم المكلف تبعًا لها. يراجع بحثنا التالي عن عارض [الجهل] في كتاب "الجواب المفيد في حكم تارك التوحيد". (٢) "الصارم المسلول" لابن تيمية ص ١٧٨ وما بعدها. (٣) السابق ص ٥٢٤.

1 / 62