٢٠٩ - وحدث أبو علي المحسن بن علي التنوخي في (نشوار المحاضرة) قال: حدثني أبو القاسم الجهني قال: حدثنا أبو محمد بن حمدون قال: أمر المعتضد بالله، في علته التي مات فيها، وقبل موته بأيام يسيرة، بأن يصنع له سم يقتل به جماعة ممن كان في الحبس، لم يحب قتلهم قتلة ظاهرة بسياسة رآها، وفعل ذلك وجيء بالسم إلى حضرته، فأراد تجربته قبل أن يقتل به من أراد قتله، فطرح في كرنبية، وأحضرت في طيفورية، وهو مفكر فيمن يطعمه منها وعلى من يجرب السم الذي فيها، إذ دخل محمد بن أحمد نفاطة وابن أبي عصمة، فقيل لهما: إن الخليفة يريد أن يأكل من ذلك اللون، وهو محجم عنه للحمية، فقالا: ما أحسن هذه الكرنبية! فلو أكل منها مولانا لقمة رجونا أنها لا تضره! وتجاوزا ذاك إلى أن أكلا منها لقما، كأنها قصدا استنهاض شهوته وتحريكها بأكلها، فلم يمكنه أن ينهاهما لئلا يخرج السر، وأمسك عنهما، ومضيا إلى منازلهما فماتا من يومهما، وبلغ الخليفة خبرهما من الغد، وقد اشتدت علته، فعلم صحة السم، وأمسك لسانه أن يأمر في معنى من أراد أن يأمر في معناه بإطعامه من ذلك السم الذي عمل له! ومات المعتضد بعد ذلك بثلاث أيام، ومضى أولئك بالعرض وسيء الاتفاق وسوء المقدار، وكأنه عمل لهما لا لغيرهما، وسلم من عمل له وقصد به ونجا.
٢١٠ - حدثني الرئيس أبو الحسين قال: رأيت في منامي قبل وفاة عميد الجيوش الحسين بن استاذ هرمز بأيام شخصا راكبا قد تحلق بين السماء والأرض، والأبصار إليه شاخصة، ثم ذاب حتى لم يبق منه شيء، فتأملته فإذا به عميد الجيوش، فانتبهت وعاودت النوم فرأيت عميد الجيوش قد نزل من داره إلى زبزبه، ومعه أبو الفتح محمد بن عنان وأبو الفتح بن المطاميري حاجبه، وكأنني قد سألت عن قصده فقيل لي: هو منحدر إلى الجبل لأن أبا غالب قد وافى عكبرا، فاستيقظت ولم أعرف أبا غالب، واتفق أن دعاني أبو الحسن رشأ بن عبد الله الخالدي واجتمع معي هناك أبو القاسم علي بن محمد بن المطلب، فلما أخذنا في الشرب حدثته حديث المنام واستكتمته إياه، فما استتممت الحديث حتى غنت المغنية:
قد مضا ذلك الزّما ... نُ فما فيه مطمعُ
فعلى ذلك الزما ... نِ سلامٌ مودّعُ
فقال لي: أما تسمع؟ قلت: بلى! وتوفي عميد الجيوش من غد أو بعده، ولحق به أبو الفتح بن عنان ثم أبو الفتح المطاميري، وكان أبو غالب فخر الملك الذي وزر بعد بالعراق.
٢١١ - وحدث القاضي أبو علي التنوخي قال: حدثتني علم قهرمانة المستكفي بالله الشيرازية حماة أبي أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي قالت: كان المستكفي لما أفضى إليه الأمر يوصيني بتفقد القاهر بالله بنفسي، وألا أغول على أحد في ذلك، ويكرمه ويبره ويحسن غليه، وكان قد اختل عقله لسوداء لحقته، ويخرق ما يلبسه من الثياب، وقلما يبقى عليه منها قميص أو جبة، وينتف شعر لحيته وبدنه، وربما صاح وضج، ثم يثيب إليه عقله. قالت: فراسلني في بعض أيام إفاقته المستكفي يأمرني بأن استعرض شهواته وحاجاته، فسألني تمكينه من جواريه، فعرفته ذلك فأمرني بحملهن إليه، وأدخلت إليه طماعة منهن، ثم استدعى بعد ذلك مرة أن تدخل إليه ابنته، ففعلت، فقبض عليها يومًا وافتضها، وبلغ المستكفي ذلك فأعظمه وهاله، وأمر أن يفرق بينهما، ولا يمكن أن يدخل إليه غير جواريه.
٢١٢ - وحدث قال: حدثني أبو أحمد الحارثي قال: كنت أعاشر بهمذان بعض كتاب الديلم، وحسبك وصفًا بجهل أن أقول: إنه من كتاب الديلم! وكان يتحلى مغنيه، فسمعها يومًا تغني:
يا حبيبًا نأى عليكَ السّلامُ ... فرّقتْ بينَ وصلنا الأيّامُ
فاستطابه، فلما أراد أن يستعيده قال: يا ستي غني ذاك الصوت الذي أوله: "يا حبيب الله عليك السلام! " فقالت: هذا صياح الحراس، أظنك أردت:
يا حبيبًا نأى عليك السّلامُ ... .......................
قال: نعم، هوهو، شدي لي في ذنبه علامة، أي وقت أردته أخرجته!.
قال: وسمعته يحلف فيقول: والله الذي لا إله إلا هو أعني الطلاق والعتاق!.
قال: وكتب مرة بحضرتي تذكرة بأضاحي يريد تفرقتها في دار صاحبه، وقد قرب عيد الأضحى: "القائد ثور وامرأته بقرة، ابنه كبش، بنته نعجة، الكاتب تيس" قال: فقلنا له: الروح الأمين ألقى هذا عليك فلم يدر ما أردت!.
1 / 55