فطرب صديقي عليه طربا شديدا، واستحسنه كثيرا، وأراد أن يقول له: أحسنت والله يا أبا الحسن، فقال له لما في نفسه تردد من أمر الفساء: افس علي يا أبا الحسن كيف شئت! فخجل جحظة، وخجل الفتى وانصرفنا!
١٥٩ - وحدث أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحق ابن البهلوي التنوخي قال: حدثني أبي قال: حضرت أسد بن جهور، وكان شديد النسيان، عند عبيد الله بن سليمان الوزير وهو يخاطبه في أمر من الأمور فيقول له أسد: السمع والطاعة لأمر القاضي أغزه الله، وقد أنسي أنه الوزير؛ وكان إلى جنب أبي العباس بن الفرات، فغمزه أبو العباس وقال له: قل الوزير أعزه الله! فقال لأبن الفرات: نعم أعز الله القاضي! فضحك ابن الفرات وقال: لست القاضي، فارجع إلى صاحبك فقضه!.
١٦٠ - قال: وكنت يوما عند أسد بن جهور وهو يكتب، فجفت دواته، فقال: يا غلام كوز ماء للدواة، فجاء الغلام بكوز ماء، فأخذه وشربه، ومضى الغلام بالكوز، وأخذ يكتب فلم تنكتب له، فقال: ويلك هات الماء للدواة، فجاء بشربة ثانية، فأخذها وشربها، ولم يطرح في الدواة منها، ثم كتب فلم تنكتب له، فقال: ويلك كم أطلب للدواة ماء ولا تحضره،! فجاءه الغلام بشربة ثالثة، فأخذ يشربها، فقال له: يا سيدي اطرح منها أولا في الدواة، ثم اشرب الباقي! فقال: نعم نعم! وطرح في الدواة وكتب.
١٦١ - وحدث أبو محمد السليماني الهاشمي المعروف بعباد رحله، وقد جرى ذكر البربهاري بحضرته، فقال: رأى عينا هائجة فقال: لو استعمل لها الخضرط عوفيت! فقال له: ليس هو الخضرط، فقال: نعم غلطت، الخضخض! فسكتوا عنه، وإنما أراد الحضض!.
١٦٢ - وطلب المكتفي يوما من أبي عبد الله بن الجصاص عقدا حسنا من فاخر الجوهر ليبتاعه منه، فقال: كم يبلغ يا أمير المؤمنين؟ قال: ثلاثين ألف دينار، قال: لا تصب ما تريد إذا، ولكن عندي عقد فيه ستون حبة، ولا أبيعك إياه بأقل من ستين ألف دينار، فإن بلغت حملته إليك، فقال: افعل، فحمله إليه والعباس بن الحسن الوزير قائم بين يديه، فعرضه عليه، فهال المكتفي أمره وحسنه! قال: ما رأيت قط مثل هذا! فقال له ابن الجصاص: ومن أين عندك أنت مثل هذا يا أبا مشكاحل! فتنكر المكتفي وتنمر، وأومأ إلى ابن الجصاص العباس بالإمساك والانصراف، ففعل. وقال المكتفي للعباس: بالله وبحقي عليك هذه الكنية تلقبني بها العامة؟ قال: لا والله يا مولاي، ولكن هذا الرجل رقيع عامي جاهل، والعامة إذا افتخرت على إنسان قالت له: يا أبا مشكاحل! وقد ربحت يا أمير المؤمنين بهذه الكلمة العقد بلا ثمن فدعني وابن الجصاص، فتنمر له وأحله علي؛ فلما كان بعد أيام جاء ابن الجصاص فأذكر المكتفي بثمن العقد، فازور عنه وقال له: الق العباس؛ فجاء إليه يطالبه بالمال، فقال له: ويحك تطالب بثمن العقد للخليفة بعد أن لقيته بما لقيته وخاطبته في معناه بما خاطبته، واجترأت عليه وأخطأت بين يديه بما لا يجوز أن يتفوه به!! ولولا أنه ينسبك إلى العامية والبحارة والجهل والحمق لضرب رقبتك! أمسك عنه ولا تتكلم في معناه بحرف؛ فأمسك، وذهب العقد بتلك الكلمة!.
١٦٣ - وورث بعض المتخلفين المخلقين مالا جليلا فقامر به وعمل كل ما اشتهى، وضجر من المال فقال لجلسائه وندمائه: افتحوا لي باب صناعة أتلف فيها بقية هذا المال، لاتعود علي بشيء منها! فقال أحدهم: تشتري التمر من الموصل فتبيعه بالبصرة! فقال: أليس يعود من ثمنه شيء وإن كان قليلا! وقال آخر: تبتاع الإبر التي كل ثلاث وأربع بدرهم، وتجمع منها ألوفا كثيرة وتسبكها سبيكة لاتساوي خمسة دراهم! قال: وذا أيضا يعود منه خمسة دراهم، وما قصدي إلا ما لا يعود منه درهم واحد! فقال آخر: ابتع ثيابا واخرج إلى الأعراب فبعها عليهم وخذ سفاتج منهم إلى الأكراد، وافعل مثل ذلك مع الأكراد، فما يرجع إليك شيء! فقال: ذلك، وفعله في بقية ما بقي معه.
1 / 40