215

حضارة العرب

تصانيف

ويبدو أكثر النظم المشتقة من القرآن على شيء من المرونة مع ثباتها، وإنما الذي هو ثابت غير مرن منها هو النظام الإسلامي السياسي القائل بجمع جميع السلطات في يد سيد عال مطلق معدود وكيل الله في الأرض.

وإذا نظرت إلى العرب أيام سلطانهم، أو إلى مختلف الأمم التي داومت بعدهم على نشر القرآن، رأيت نظمها السياسية متجلية في شكل ملكي حربي وديني مطلق، وإذا كانت هذه النظم قادرة على إقامة الدول الكبيرة بسرعة لم تكفل بقاءها إلا نادرا كما دل على ذلك تاريخ العرب والمغول والترك الذين لم تتقدم دولهم العظيمة، وهي التي كان عليها أن تكافح المصاعب الداخلية والخارجية المتنوعة، إلا عندما كان على رأسها رجال عظماء.

من أجل ذلك ترى الدول الحربية الواسعة التي تقوم بسرعة تسقط بسرعة غالبا، ويدب الانحطاط في مفاصلها عندما يخلف الرجل العبقري الذي قبض على زمامها رجل أو اثنان من ذوي العقول المتوسطة، شأن الأندلس والمشرق، فبعد أن كان عصر هارون الرشيد وابنه المأمون أنضر ما رأته دولة الخلافة في بغداد جاء دور الانحطاط حالا.

شكل 3-8: شارع في طنجة (من صورة فوتوغرافية).

وكان عهد آخر الأمويين في إسپانية أقوى ما وصل إليه العرب فيها بفضل وزيره الأكبر المنصور، فلما مات هذا الوزير في أوائل القرن الحادي عشر من الميلاد سقط ملكهم معه، وأصبح البربر سادة البلاد، وصار كل وال ينادي بنفسه ملكا، ثم أفل نجم العرب السياسي في إسپانية بفعل هذا الانقسام أكثر مما كان بفعل أعدائهم في الخارج، وبهذا أثبت لنا العرب أن النظم التي تبلغ الأمة بها أعلى درجات العظمة يمكن أن تسقط بها في هوة الانحطاط، وذلك كما قلنا آنفا.

شكل 3-9: سوق كبيرة في طنجة (مراكش) (من صورة فوتوغرافية).

هوامش

الفصل الرابع

المرأة في الشرق

(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

صفحة غير معروفة