عني رسول الله ﷺ طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين! ومثل هذه النقول كثير في كتب القوم جدًا.
وفي "تنوير الحالك" لجلال الدين السيوطي الذي رد به على منكري رؤيته ﷺ بعد وفاته في اليقظة طرف من ذلك، وكل ما أتى به لا دليل فيه، وأطال الكلام في ذلك، ثم قال: وقد ذُكِرَ عن السلف والخلف وهَلُمَّ جرًا ممن كانوا رأوه في اليوم، فرأوه بعد ذلك في اليقظة، وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوّشين فأخبرهم بتفريجها، ونصّ لهم على الوجوه التي منها فرجها، فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص! انتهى المراد منه.
وليت شعري لم كان عثمان يطلب شاهدين من كل من أتاه بآية يشهدان على أنها من القرآن؟! وهلاّ رأى النبي ﷺ يقظة وسأله عن تلك الآية، وهو وسائر الصحابة أحق ممن ذكر بهذه الفضيلة، وقد وقع بينهم ما وقع من الاختلاف لم يره أحد منهم ويدفع إشكاله؟! والسيوطي ﵀ كان فيما ألفه من الكتب حاطب ليل، في كل كتاب له مذهب ومشرب، وما أتى به في كتابه هذا لا يُعوَّلُ عليه كما سيرد عليك مردودًا.
ثم إن رؤيته ﷺ عند القائلين بها يقظة أكثر ما تقع بالقلب، ثم يترقّى الحال إلى أن يُرى بالبصر على ما زعموا، واختلفوا في حقيقة المرئي؛ فقال بعضهم: المرئي ذات المصطفى بجسمه وروحه. وأكثر أرباب الأحوال على أنه مثاله، وبه صرّح الغزالي فقال: ليس المراد أنه يُرى جسمه وبدنه، بل مثالًا له، صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه، قال: والآلة تارة تكون حقيقة وتارة تكون خيالية، والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ﷺ ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق.
وفصّل القاضي أبو بكر بن العربي فقال: رؤية النبي ﷺ بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، واستحسنه السيوطي، وقال- بعد نقل أحاديث وآثار- ما نصه: فحصل من مجموع هذا الكلام-
1 / 73