إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس ترمي سوى العالي من الشجر
قال العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد بن علي الدلجي١ -وكان من أكابر حفاظ عصره ومحدثيهم، وأعلمهم بعقائد السلف وعلومهم -في كتاب "الفلاكة والمفلوكين": قلما خلا عالم أو نبيل من نكبة، وأنا أذكر هنا طرفًا لائقًا بمقصودي من ذوي النكبات من الأعيان الذين عرضت لهم:-
(مالك بن أنس) بن أبي عامر بن [عمرو بن] الحارث بن غَيْمان -بالغين المعجمة- أبو عبد الله الإمام المدني أحد أئمة الإسلام، سُعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي ابن عم أبي جعفر المنصور، فدعا به وجرده، وضربه سبعين سوطًا، ومدت يداه حتى انخلع كتفاه. وسبب ضربه أنهم سألوه عن مبايعة محمد بن عبد الله بن حسن، وقالوا له: إن في أعناقنا مبايعة أبي جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين. فأسرع الناس إلى محمد فسعى به فضرب لذلك، ثم لم يزل بعده في علو ورفعة كأنما كانت تلك السياط حليًا تحلى بها، توفي سنة أربع وسبعين ومائة٢.
(أبو حنيفة النعمان بن ثابت) الفقيه الكوفي أحد الأئمة المتبوعين. كان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين، فأراده لقضاء الكوفة أيام مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية فأبى، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة أسواط، وبقي على الامتناع، وسجنه فتوفي بالسجن في أحد القولين، سنة خمسين ومائة ببغداد.
(الإمام أحمد بن محمد بن حنبل) بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي.
_________
١ انظر ترجمته في "الضوء اللامع" (٢/ ٢٧) و"هدية العارفين" (١/١٢٤) و"الأعلام" للزركلي (١/١٧٧) .
٢ انظر: "تاريخ الطبري" (٧/٥٦٠) و"سير أعلام البلاء" (٨/٨٠-٨١) و"ترتيب المدارك" للقاضي عياض (١/٢٢٨) .
1 / 61