استحوذ على المأمون جماعة من المعتزلة وقوّلوه بخلق القرآن، فعنّ له بطرسوس أن يكتب إلى نائب بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن، فكان ذلك أول الفتنة، وكان ذلك آخر عمر المأمون قبل موته بشهور سنة ثمانية عشر ومئتين، فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من العلماء فامتنعوا، فهددهم بالضرب وقطع الأرزاق، فأجاب أكثرهم مكرهين، واستمر على الامتناع أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح الجند سابوري، فحُمِلا على بعير متعادلين مقيّدين إلى الخليفة عن أمره بذلك، ثم جاء الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير، ثم جاء الخبر بأن المعتصم قد ولي الخلافة وأن الأمر شديد، فرُدًا إلى بغداد في سفينة مع بعض الأسارى، ومات محمد بن نوح في الطريق، وأودع الإمام أحمد السجن ببغداد نحوًا من ثمانية وعشرين شهرًا، ثم أحضره المعتصم في قيوده وأجلسه، فجلس ودعاه إلى القول بخلق القرآن، فامتنع وقال: فما قال ذلك ابن عمك رسول الله ﷺ، دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن القرآن علم الله، ومن علم أن علم الله مخلوق فقد كفر، أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله حتى أقول به، وناظره أحمد بن أبي دؤاد وغيره، وأنكروا الآثار التي أوردها، وقالوا للمعتصم: هذا أكفرك وأكفرنا، وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد: يا أمير المؤمنين؛ ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين، فعند ذلك حمي واشتد غضبه، فأخذ وجيء بالعقابيين والسياط، وضربه ضربًا مبرحًا شديدًا، حتى أغمي عليه وغاب عقله، وأمر بإطلاقه إلى أهله فنقل وهو لا يشعر، ولما شفي من الضرب بقي مدة وإبهاماه يؤذيهما البرد، وكان الضرب في الخامس والعشرين من رمضان سنة إحدى وعشرين ومائتين، وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين.
(يوسف بن يحيى البويطي) صاحب الإمام الشافعي، كان الشافعي يسأل عن الشيء فيحيل عليه، فإذا أجاب قال: هو كما أجاب. وقال عنه الشافعي: هو لساني. حُمِلَ إلى بغداد في أيام الواثق بالله من مصر -وفي عنقه غل، وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة حديد فيها طوق وزنتها أربعون رطلًا- وأرادوه على
1 / 62