إلى هذيانهم وضلالهم وبطلانهم، فما أشبه كلامهم بطنين ذباب، أو صرير باب، أو نبح كلاب، ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ ١.
وقد تسلب الأيام حالات أهلها ... وتعدو على أسد الرجال الثعالب
الأمر السادس من تلك الأمور: أن الغلاة وعبدة القبور وسالكي الطرق المبتدعة يكيدون الجهلة والعوام بمكائد كثيرة؛ منها ما سبق، ومنها: أنهم يقولوا لهم: إن المخالفين لنا لم تزل تصيبهم نكبات الدنيا ومصائبها بخلاف من سلك مسلكنا، فإنا ممتّعون منعّمون بنعم الدنيا ومناصبها الرفيعة، ومراتبها العالية، والقرب من أولياء الأمور، انظروا إلى فلان وفلان وفلان، ويعدّدون لهم كثيرًا من كلاب الدنيا الدنية، ويقولون لهم: ثم انظروا إلى مخالفينا كابن تيمية وأضرابه، ويذكرون لهم ما حل بهم من المخالفين، ومثل هذا الكيد كثيرًا ما يكرره النبهاني في كتابه "شواهد الحق" الذي تصدّينا لرده، ويقول مرة بعد أخرى: إن ابن تيمية شق العصا، وشوّش عقائد المسلمين بسبب ما اختاره من عدم جواز دعاء غير الله، والالتجاء إلى ما سواه ونحو ذلك، وإن الله لم يبارك في كتبه فلم ينتفع بها أحد من المسلمين لقوله بذلك، وإن العلماء اتفقوا على حبسه الحبس الطويل، فحبسه حاكم مصر يومئذ ومنعه من الكتابة في الحبس، وأن لا يدخل عليه بدواة، ومات في الحبس، ونحو من ذلك الهذيان، وهكذا قال ابن حجر في "الجوهر المنظم" وفي "فتاواه"، وهكذا السبكي في بعض كتبه.
واعلم أن من له نظر وبصيرة لا يلتفت إلى مثل هذا الهذيان من هذا الكلام الذي يشبه كلام الصبيان، بل ينظر إلى الدليل والبرهان، وما أصاب ابن تيمية وأضرابه من أهل الحق فله أسوة بسادات أهل الدين والأنبياء والمرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، ولو بسطنا الكلام على ما جرى عليهم وما جرى على أكابر المجتهدين وأهل العلم لما وسعه سفر كبير، ولم يختص بذلك عصر، بل هكذا جميع الأعصار.
_________
١ سورة الأنعام: ٩١.
1 / 60