لا يخدعنك اللحى ولا الصور ... تسعة أعشار من ترى بقر
تراهم كالسحاب منتشرًا ... وليس فيها لطالب مطر
في شجر السرو منهم شبه ... له رواء وما له ثمر
ثم إن الله تعالى زادهم إيضاحًا فقال: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ أي: متى سمعوا صياحًا بأي وجه كان طارت عقولهم، وظنوا ذلك إيقاعًا بهم، كما قال جرير يخاطب الأخطل:
ما زلتَ تحسب كل شيء بعدهم خيلًا تكر عليهم ورجالًا وقال المتنبي:
وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلًا ثم استأنف سبحانه الكلام عنهم لبيان ما يجب من معاملتهم فقال: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ أي: هم الكاملون في العداوة والراسخون فيها، فإن أعدى الأعادي العدو المداجي، الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي، ككثير من أبناء الزمان. ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ لكونهم أعدى الأعادي ولا تغترنّ بظاهرهم.
لا تقنع بأول ما تراه ... فأول طالع فجر كذوب
﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ أي: لعنهم وطردهم، فإن القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها، وكذلك الطرد عن رحمة الله تعالى والبعد عن جنابه الأقدس منتهى عذابه ﷿، وغاية نكاله جل وعلا. والسورة من أولها إلى آخرها في بيان أحوال المنافقين وبيان أحكامهم.
والمقصود: أن كثيرًا من الزنادقة والمنافقين -ومنهم من سبق ذكرهم- يظهرون ما يظهره الغلاة، وأولئك الزائغون الغواة، لمزيد حبهم للدنيا وخوفهم على مناصبهم ومراتبهم، وهم لا دين لهم ولا إيمان، ولا صلاة ولا زكاة، ولا حج ولا صيام، وهم كل وقت على وجل يحسبون كل صيحة عليهم، فلا يلتفت
1 / 59