وقد ذكر المفسرون عند الكلام على قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ ١. إن المنافق اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره ويُظْهِرُ إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفًا، يقال: نافق ينافق منافقة ونفاقًا، وهو مأخوذ من النافقاء، وهي إحدى حجر اليربوع وهي التي يدخل منها، وليس مأخوذًا من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه لستره كفره٢.
وكان المنافقون يأتون إلى رسول الله ﷺ ويشهدون شهادة مؤكدة أنه رسول الله، فشهد الله عليهم أنهم كاذبون، ومن أصدق من الله قيلًا؟ أفلا ينبغي أن يصدق بأقوالهم؟! وقد عدّد الله تعالى قبائحهم، وهي موجودة في منافقي بغداد وزنادقة العراق، فمنها أن من عادتهم الاستجنان بالأيمان الكاذبة كما استجنوا بالشهادة الكاذبة، أي: اتخذوا حلفهم بالله إنهم لمنكم جنة عن القتل أو السبي أو نحوهما مما يعامل به الكفار، ومن هنا أخذ الشاعر قوله:
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا ... لصون دمائهم أن لا تُسَالا
وقد أخبر سبحانه عن صفتهم وشأنهم فقال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ لفصاحتها وتناسب أعضائها ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ ٣ لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم، وهكذا أولئك المنافقون يعجب الناس من هياكلهم ويسمعون لكلامهم، أي: ما هم إلا أجرام خالية من الإيمان والخير، كالخشب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونها أشباحًا خالية عن الفائدة، أو كأنهم أصنام منحوتة من خشب مسندة إلى الحيطان، شُبّهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم، وفي مثلهم قال الشاعر:
_________
١ سورة المنافقون: ١.
٢ "لسان العرب" (١٤/ ٢٤٣) .
٣ سورة المنافقون: ٤.
1 / 58