وبالجملة؛ فمن عرف ما جاءت به الرسل من وجوب توحيد الله وإفراده بالعبادة وتبين له أن المنع من دعائهم وقصدهم من دون الله في الحاجات والملمات هو عين تعظيمهم، وتوقيرهم، وتعزيزهم، والإيمان بهم وتصديقهم، وقبول ما جاؤوا به، ومنابذة أعدائهم وأضدادهم من المشركين على اختلاف أجناسهم وتباين مللهم، فإن أصل النزاع بينهم وبين أعدائهم في عبادة الله وحده، والبراءة من عبادة ما سواه، ولا يحصل ولا يتصوّر الإيمان بهم إلا باعتقاد هذا وموافقتهم عليه، وأما مخالفتهم فيه ومعصيتهم فهي عين التنقص والاستخفاف بهم.
ومن عرف هذا عرف أن أهل الحق والإيمان من عهد رسول الله ﷺ إلى قيام الساعة هم المعظّمون للرسل، الموقِّرون لهم، العارفون بحقوقهم، القائمون بما يجب لله، وما يجب لعباده من الحقوق، لا أهل الشرك بهم والمعصية لهم، ونبذ أوامرهم وترك ما جاؤوا به وهجره وعزله عن الحكم به، وتقديم منطق اليونان في باب معرفة الله وصفاته، وتقديم آراء الرجال وحدسهم على النصوص والأحاديث الصريحة، وتقديم غلو النصارى ورأيهم في عبادة الأحبار والرهبان على ما جاء به من تجريد التوحيد وإخلاص الدين لله، هذا هو حقيقة الاستخفاف عند كافة العقلاء، وأما طاعة الرسول في إخلاص الدين دنه، وترك دعاء الأنبياء والصالحين فهو عين التعظيم والتوقير، ولذلك قال عز من قائل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ ١ فظهر أن كيدهم جعله الله في نحرهم، وتبين أنهم قوم لا يعقلون.
فنسألك اللهم أن تخلع من أعداء الحق وثائق قلوبهم وأفئدتهم، وأن تباعد بينهم وبين أزودتهم، وأن تحيرهم في سبلهم، وأن تضللهم عن وجههم، وأن
_________
١ سورة آل عمران: ٣١.
1 / 56