في الإسلام وما بدّلوه من الدين. وما عليه أهل البوادي اليوم والأعراب من الكفر بآيات الله ورد أحكام القرآن والاستهزاء بذلك، والرجوع إلى سوالف البادية، وما كانت عليه من العادات والأحكام الجاهلية، وأمثلهم حالًا من عرف أن كتاب الله وأحاديث رسوله عند أهل البلاد فلم يرفع بذلك رأسًا، ولم يبال بشيء مما هنالك أو هو جاهل بما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، لا شعور له بشيء من ذلك، ولا يدري ما الناس من أمر دينهم.
وغالب أهل المدن منهمكون في اللذائذ والشهوات، وقد أعرضوا عن الشريعة وما ورد فيها من الأوامر والنواهي، ولم يلتفتوا إلى ما في كتب الفقه من الأحكام، وظنوا أن سيئاتهم تُغفر بنذورهم إلى القبور ونداء أهلها والاستغاثة بهم، وأن من منعهم من دعاء الأنبياء والصالحين، والاستعانة بهم، والاستغاثة في الشدائد والمهمات وأنهم لا يدعون مع الله في الحاجات والملمات ولا يذبح لهم تقربًا، ولا يطاف بقبورهم ولا يتوكل عليهم؛ فقد استخف بهم وتنقصهم وهضمهم حقهم.
وأصل هذا؛ أنهم لا يفرقون بين حق الله وحق عباده، ولا تمييز عندهم في ذلك، بل يرون استحقاقهم كثيرًا من العبادات المختصة بالله، وهذا يشبه غلوّ النصارى في المسيح وغيره، وقد قالوا لمن أنكر عليهم عبادة المسيح: قد تنقّصت المسيح وقلت فيه قولًا عظيمًا، كما قال عمرو بن العاص وأصحابه للنجاشي- لما قدموا عليه بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة وسألوه أن يخلي بينهم وبين المهاجرين وعنده جعفر بن أبي طالب وأصحابه وأبى ذلك النجاشي، فقال عمرو-: إنهم يقولون في المسيح قولًا عظيمًا. يعني: يقولون هو عبدٌ ليس بإله، فأرسل النجاشي لجعفر وأصحابه وسألهم عن ذلك، فقالوا: نقول فيه ما قال الله تعالى، وتلا جعفر صدر سورة مريم حتى أتى على ذكر المسيح وشأنه، فقال النجاشي: والله ما زاد المسيح على هذا١.
_________
١ القصة أخرجها: أحمد في "المسند" (١/ ٢٠١- ٢٠٢ و٥/ ٢٠٩- ٢٩٢) والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٣٠١- ٣٠٣) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (رقم: ١٩٤) وفي "حلية الأولياء" (١/١١٥) بإسناد حسن.
انظر: "مجمع الزوائد" (٦/٢٤-٢٧) وتعليق العلامة أحمد شاكر على "المسند" رقم (١٧٤٠) وتخريج العلامة الألباني لـ "فقه السيرة" (ص١١٥) .
1 / 55