له بعد الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرّح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم. وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد في القدري: إن جحد علم الله كفر، ولفظ بعضهم: ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوا كفروا.
وسئل أحمد ﵀ عن القدري هل يكفر؟ قال: إن جحد العلم كفر.
وحينئذ فجاحد العلم هو من جنس الجهمية، وأما قتل الداعية إلى البدع فقد يقتل لكف ضرره عن الناس كما يقتل المحارب وإن لم يكن في نفس الأمر كافرًا، فليس كل من أمر بقتله يكون قتله لردته، وعلى هذا قتل غيلان القدري وغيره قد يكون على هذا الوجه، وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع وإنما نبهنا عليها تنبيهًا". انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله١.
والذي تحصّل مما سقناه من النصوص: أن الغلاةَ ودعاةَ غير الله وعَبَدَةَ القبور إذا كانوا جهلة بحكم ما هم عليه ولم يكن أحد من أهل العلم قد نبههم على خطئهم فليس لأحد أن يكفرهم.
وأما من قامت عليه الحجة وأصرّ على ما عنده واستكبر استكبارًا، أو تمكّن من العلم فلم يتعلّم فسنذكر حكمه في الآتي.
والمقصود؛ أن من تمسّك من المسلمين بما كان عليه رسول الله ﷺ من المعتقد والدّين الذي خالفوا به أهل البدع وباينوهم فلم يذهبوا إلى ما ذهبت إليه الجهمية المعطلة، ولا إلى ما ذهبت إليه القدرية النفاة، والقدرية المجبرة، ولا إلى ما ذهبت إليه الخوارج والمعتزلة، ولا إلى ما ذهبت إليه الرافضة والمرجئة، ولم يذهبوا إلى ما افتراه الغلاة في الأولياء والصالحين من عباد القبور ونحوهم؛ فإن هؤلاء لا يسمون عند أهل السنة والجماعة غالية، كما سموا به من غلا في عليّ وزعم أنه الإله الحق، فاستتابهم عليّ، فأبوا، فخذّ لهم الأخاديد، وأوقد فيها النيران وقذفهم فيها، وقال:
_________
١ "مجموعة الفتاوى" (٣/ ١٩٤- ١٩٧- الطبعة الجديدة المخرجة) .
1 / 53