غيره لا تكون ظنية فضلًا عن أن تكون قطعية، لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته".
ثم ذكر حديث الذي قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني إلخ.. إلى أن قال: "وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع. لكن المقصود هنا: أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين، ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك ولم يفهموا غور قولهم؛ فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقًا حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلي، وربما رجحت التكفير والتخليد، وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام، بل لا يختلف قوله إنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل، ولا يكفر من يفضل عليًا على عثمان، بل ونصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول ﷺ ظاهرة بينة، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وقد ابتلى بهم حتى عرف حقيقة أمرهم وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقوله، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية إن القرآن مخلوق، وإن الله لا يُرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك، ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفّرون من لم يجبهم، حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لا يطلقونه حتى يقر بقول الجهمية إن القرآن مخلوق وغير ذلك، ولا يولون متوليًا ولا يعطون رزقًا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد ﵁ ترحم عليهم واستغفر لهم، لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذّبون للرسول ﷺ ولا جاحدون لما جاء به، لكن تأولوا فأخطأوا وقلّدوا من قال لهم ذلك.
وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق كفرتَ بالله العظيم، بين أن هذا القول كفر ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لم يتبين
1 / 52