وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ ١. فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يُشهد عليه بالوعيد، فلا يُشهد على معيّن من أهل القبلة بالنار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحوا عقوبة ذلك المحرم، وقد يُبتلى بمصائب تكفر عنه، وقد يُشفع فيه شفيع مطاع، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفه الحق، وقد يكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدًا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنًا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية والعلمية، أو المسائل الفروعية العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي ﷺ وجماهير أئمة الإسلام.
وأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول، ونوع آخر وتسميته مسائل الفروع؛ فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ من المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه عن ذكره من الفقهاء في كتبهم وهو تفريق متناقض. فإنه يقال لمن فرّق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطىء فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد، والفروع مسائل العمل. قيل له: فتنازع الناس في محمد ﷺ هل رأى ربه أم لا، وفي أن عثمان أفضل من عليّ أم عليّ أفضل، وفي كثير من معاني القرآن، وتصحيح بعض الأحاديث؛ هي من المسائل الاعتقادية لا العملية ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحريم الفواحش والخمر؛ هي مسائل علمية، والمنكر لها يكفر بالاتفاق. وإن قال: الأصول هي الأصول القطعية. قيل له: كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل النظر ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن يسمع النص من رسول الله ﷺ وتيقن مراده منه- وعند
_________
١ سورة النساء: ١٠.
1 / 51