وكلفوا العرب أن يفيضوا من مزدلفة وقد كانوا يفيضون من عرفة، إلى غير ذلك من الأمور التي ابتدعوها وشرعوها مما لم يأذن به الله، وقد فصلت في كتب أحوالهم، ومع ذلك كانوا يدعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم ﵇.
وقد حذا حذوهم حذو القذة بالقذة غلاة هذه الأمة ومتصوفتها، ترى طائفة منهم قد اتخذوا ضرب المعازف وآلات اللهو عبادة يتعبدون بها في بيوت الله ومساجد، وطائفة اتخذوا الطواف على قبور الصالحين أعظم طاعة وعبادة وقصدوها في طلب الحاجات ونذروا لها، ومنهم من ابتدع الرهبانية والحيل الشيطانية والمكائد التي لم تهتد إليها النفوس الإنسانية، وزعم أنه سلك سبيل الزهاد، وطريق العباد، ومقصده الأعلى نيل شهواته الحيوانية، والفوز بزخارف هذه الدنيا الدنية، إلى غير ذلك مما يطول، ولا يعلم الموحد ماذا يقول.
إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم
ولبعض أكابر أهل العلم رسالة جمع فيها المسائل التي خالف فيها رسول الله ﷺ أهل الجاهلية، وهي ما يزيد على مائة مسألة، ولنا عليها شرح مفصل١، وخصالهم كلها صادقة على الغلاة ولاسيما النبهاني منهم. وما ذكرناه كاف في التمثيل، ويتبين منه أنه حذا حذو أسلافه الجاهليين، نسأله تعالى العافية في الدنيا والدين.
الأمر الثالث؛ من الأمور التي يجب التنبيه عليها، والإشارة بصريح العبارة إليها: أن من مكايد الغلاة؛ التشنيع على أهل الحق ودعاة التوحيد من المؤمنين أنهم يكفّرون المسلمين، ومقصودهم من ذلك تنفير القلوب عنهم، ولذلك يلقبونهم بألقاب مشعرة بالذم، كالمجسّمة والحشوية، وفي هذه الأزمنة يلقبونهم
_________
١ هي رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب "مسائل الجاهلية"وقد شرحها المصنف كما ذكر، وطُبعت طبعات عدة.
1 / 42