كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"١.
أخبر ﷺ أنه سيكون في أمته من يحذو حذو الأمم السابقة، وهم جاهلية الكتابيين وغيرهم، كما فُسّر في الحديث، ولا شك أن ما أخبره به ﷺ كائن لا محالة، فإنه الصادق المصدوق، وما ينطق عن الهوى، ومن اليقين أن من استمسك بهديه، واتبع ما ثبت من سنته غير مقصودين بالحديث، لما ثبت في حديث الفرق أنهم الفرقة الناجية، وهم من كان على ما عليه النبي ﷺ وأصحابه كما هو الوارد٢؛ فلا بد أن يكون الذين يحذون حذوهم هم من بدَّل وغير، وابتدع وحرف، وحاكى الذاهبين الأوّلين في أفعالهم وأعمالهم، من بناء المشاهد والمساجد على قبور صالحيهم، وندائهم في المهمات والملمات، وغير ذلك مما كان يفعله اليهود والنصارى والمشركون، مما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
وفي الغلاة ومبتدعة أهل القبور من خصال الجاهلين من الكتابيين والمشركين ما يصدق به عليهم اتباع سننهم حذو القذة بالقذة، ونحن نذكر بعض ذلك ليكون كالمثال الموضح لما نحن بصدده.
فمن خصالهم: أنهم كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادة الله تعالى، ويرون ذلك من تعظيمهم الذي يحبه الله، ويقصدون به أيضًا التقرب والزلفى والفوز بشفاعتهم، لظنهم أن الصالحين يحبون ذلك منهم، وقد أخبر القرآن عن هذه الخصلة قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ
_________
١ أخرجه البخاري (٤٣٥٦، ٧٣٢٠) ومسلم (٢٦٦٩) .
٢ في"سنن الترمذي" رقم (٢٦٤١) بإسناد فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي؛ وهو ضعيف.
لكن الحديث صحيح بطرقه وشواهده؛ انظر"الصحيحة"رقم (٢٠٣، ٢٠٤) . وانظر "رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله" للمعلمي (ص ٧٢- ٧٣ ط المكتبة العصرية) فقد ذكرت شواهد الحديث هناك.
1 / 33