اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ١ وعبادة المشركين لهم كانت بدعائهم لهم وطلب حاجاتهم منهم، والذبح والنذر لهم، والحلف بهم. وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ ٢.
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ﷺ، فأتى بالإخلاص وأخبرهم أنه دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه، وأن من فعل ما استحسنه حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وهذه المسألة هي الدين كله ولأجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة، ولأجلها شرع الجهاد، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ ٣، ومن المعلوم أن للغلاة الحظ الوافر من خصلة أسلافهم هذه كما هو المشاهد.
ومن خصالهم: أن دينهم كان مبنيًا على أصول أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع من كان قبل ظهور الإسلام من الأمم الأولى، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ ٤. فأمرهم الله تعالى أن يتبعوا الحق فقال: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ٥. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ﴾ ٦. إلى غير ذلك مما يدل على أن أهل الجاهلية كانوا مقيدين بربقة التقليد لا يحكّمون لهم رأيًا، ولا يستعملون نظرًا، ولا يشغلون فكرًا، فلذلك
_________
١ سورة الزمر: ٢- ٣.
٢ سورة يونس: ١٨.
٣ سورة الأنفال: ٣٩.
٤ سورة الزخرف: ٢٣- ٢٤.
٥ سورة الأعراف: ٣.
٦ سورة البقرة: ١٧٠.
1 / 34