الأولى منه: من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض السباخ وأشير إليها بقوله ﷺ:"من لم يرفع بذلك رأسًا" أي: أعرض عنه لم ينتفع به ولا نفع، والثانية منه: من لم يدخل في الدين أصلًا بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله ﷺ:"ولم يقبل هدى لله الذي جئت به". وقال الطيبي: بقي من أقسام الناس قسمان: أحدهما: الذي انتفع بالعلم ولم يعلمه غيره. والثاني: من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره. قلت: والأول داخل في الأول، لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تنبت الأرض فمنه ما ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيمًا، وأما الثاني: فإن كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضًا فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم من لم يرفع بذلك رأسًا والله أعلم". انتهى كلام الإمام العسقلاني١.
والمقصود: أن الحديث قد دل على أن بعض القلوب كالأرض النقية التي قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، كقلوب الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهم بإحسان.
وبعضها: كالأجادب التي أمسكت الماء، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، ويؤيده قوله ﷺ:"رب مبلغ أوعى من سامع"٢.
وبعضها: كالقيعان التي لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، كقلوب كثير من الغلاة وأهل البدع والضلالات، فإنها لا يؤثر فيها الهدى والعام، كما أن الأرض السبخة لاتمسك ماءً ولا تنبت كلأً.
الأمر الثاني: أنه ورد في الحديث المتفق على صحته: "إنكم لتتبعن سنن من
_________
١ انظر"فتح الباري" (١/ ٢١٢- ٢١٣) .
٢ هو جزء من حديث"نضّر الله امرأً..".
1 / 32