أهله، فإن الأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدًا، كما ذكر ذلك الحافظ ابن القيم في الهداية١.
فمنها: الجهل به، وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس، فإن من جهل شيئًا عاداه وعادى أهله، فإن انضاف إلى هذا السبب بغض من أمره بالحق ومعاداته له وحسده كان المانع من قبول الحق أقوى، فإن انضاف إلى ذلك إلفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبه ويعظّمه قوي المانع، فإن انضاف إلى ذلك توهّمه أن الحق الذي دُعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعن شهواته وأغراضه قوي المانع من القبول جدًا، فإن انضاف إلى ذلك خوفه من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه كما وقع لهرقل ملك النصارى بالشام على عهد رسول الله ﷺ، وكما نرى كثيرًا ممن ينتسب إلى العلم من أهل المناصب والجرايات ينتسبون إلى الطرائق المبتدعة، ويظهرون ما يروج من العقائد لدى حكومتهم ودولتهم، ويتجنبون من العقائد السّلفية، وإظهار السنن النبوية مع علمهم بحقية حقائقها، ووقوفهم على دقائقها محافظة على الزخارف الدنيوية، والسفاسف الدنية، وأعرف من هؤلاء عددا ًكثيرًا؛ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ ٢.
فإذا كان الأمر على ما ذكر ازداد المانع من قبول الحق قوة، فإن هرقل عرف الحق وهمّ بالدخول في الإسلام فلم يطاوعه قومه، وخافهم على نفسه، واختار الكفر على الإسلام بعدما تبين له الهدى، وقصته مشهورة٣.
ومن أعظم هذه الأسباب؛ الحسد، فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه، وأوتي ما لم يؤتَ نظيره، فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه، وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد؟! فإنه لما رآه قد
_________
١ أي "هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى"، وقد حقّقتُه- ولله الحمد- عن مخطوطتين؛ يسّر الله نشره.
٢ سورة البقرة: ١٦.
٣ انظر قصّته في "صحيح البخاري" (رقم: ٧- وانظر أطرافه هناك) .
1 / 29