يلتفت إلى تخليطه وخرافته، غير أن بعض الإخوان لما علم مقصدي ووقف على ما تقرر عندي التمس مني ذلك، وطلب إبطال ما هنالك، وذكر لي أن النبي ﷺ لما قال أبو سفيان يوم أحد: أفيكم محمد؟ أفيكم أبو بكر، أفيكم ابن الخطاب؟ قال لأصحابه: "لا تجيبوه". تهاونًا به وتحقيرًا لشأنه، فلما قال أُعل هبل، قال لهم رسول الله ﷺ: "قولوا: الله أعلى وأجل". ولما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، قال لهم:"قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم"١.
فحينئذ جرّدتْ أسنّة العزائم والرد، واستعنتُ على رد أباطيله بالواحد الفرد، وليت مصنف ذلك الهذيان تنكب عن ميدان الفرسان، ليسلم من أسنة ألسنتهم عرضه، وينطوي من بساط المشاجرة طوله وعرضه، ولم يسمع ما يضيق به صدره، ولم ينتهك بين أفاضل الأمة ستره، وإذا أبى إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزّ الحلاقم، ونكز الأراقم٢، ونهش الضراغم٣، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم. فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه، ولا فاصحهم أحد -ولو كان مثل خطباء إياد- إلا فصحوه وفضحوه، ولا كافحهم مقاتل -ولو كان من بقية قوم عاد- إلا كبُّوه على وجهه وبطحوه، هذا فعلهم مع الكماة الذين وردوا المنايا تبرعًا، وشربوا كؤوسها تطوعًا، وسعوا إلى الموت الزؤام٤ سعيًا، وحسبوا طعم الحمام أريًا، والكفاة الذين استحقروا الأقران فلم يهلهم أمر مخوف، وجالوا في ميادين المناضلة واخترقوا الصفوف، وتجالدوا لدى المجادلة بقواطع السيوف.
_________
١ أخرجه البخاري (٣٠٣٩، ٤٠٤٣) وأحمد (٤/ ٣٩٦)، من حديث البراء بن عازب ﵁.
٢ نكز الأراقم: النكز: الدفع والضرب. الأراقم: الحيّات.
٣ الضراغم: الأسود.
٤ الموت الزؤام: الموت العاجل.
1 / 27