ملّتك، وشغلها بالنصح لأهل دعوتك، إرادة منه لإعزاز دينك، واستنصارًا على أهل الكفر بك، حتى استتبّ له ما حاول في أعدائك، واستتم له ما دبر في أوليائك، فنهد إليهم مستفتحًا بعونك، ومتقويًا على ضعفه بنصرك، صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه؛ الذين أخلصوا في أعمالهم فخلصوا عن كل نقص حتى لم يبق فيهم كلام، ولخصوا زبدة أعمارهم بالتجرد عن شوائب الغفلة فلم يشبهم شيء من دواعي الملام، شنّوا غارات عزائمهم حتى بددوا كتائب الزيغ والضلالة، ودمغوا بأسنة حججهم رؤوس أهل الشرك والجهالة، الذين أسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالته، وعلى من تبعهم بإحسان، ولم يكن لهم غير الله ملجأ ولا مستعان.
أما بعد؛ فقد وصل إليّ- في أواخر رجب الفرد، سنة خمس وعشرين وثلثمائة وألف، من هجرة من تقصر دون كعب علاه بردة المدح والوصف- كتاب قد اشتمل على بهتان عظيم، وعدول عن الصراط المستقيم، ألّفه بعض الجهلة لمصادمة الحق، ومعارضة الصواب بالخطأ المطلق، ومناقضة ما جاءت به رسل الله، وصدحت به الكتب المنزلة، ودلت عليه الدلائل القطعية؛ وهو توحيد الله وإفراده بخصائص الربوبية، وتخصيصه بالالتجاء إليه، والتوكل عليه، والاستعانة به في كل كلية وجزئية، فجاء هذا الغبيّ الجاهل المكابر، وأعرض عن الحق الصريح الظاهر، وجمع كتابًا سماه (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) وحشاه من الكذب والافتراء والظلم والعدوان، وشتم أهل الحق ونصرة التوحيد، والحكايات الكاذبة، وكان الحَرِيّ به أن يسمي كتابه هذا شبه الباطل والضلال.
ولما تصفحته وجدته كتابًا لا يروج ما فيه حتى على ضعفاء العقول، فضلًا عمن تضلع من فنون المنقول والمعقول، لما اشتمل عليه من واهي الأسانيد وأكاذيب النقول، مباحثه متناقضة، ومطالبه متعارضة، جهل بها مؤلفه، وغفل عنها مصنفه، وبقيت أُقَدّمُ رجلًا وأؤخّر أخرى في الإقدام على إبطاله، وتزييف أقواله، حيث تكلم بالجزاف، وأبان عن قلة معرفة وعدم إنصاف، وكان الرأي عندي أن يعرض عن جهله المستأصل لشافته، ولا يتعرض لغثاثته وسخافته، ولا
1 / 26