ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسئول (1) فيه (2) والإبطاء للقدر المعين له عند الله . فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما إلى الآخرة تأخرت الإجابة : أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا.
وأما القسم الثاني وهو قولنا: "ومنها ما لا يكون عن سؤال " فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به ، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد . كما أنه لا يصح حمد مطلق (10 -1) قط إلا في اللفظ ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال . فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه . والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال . فالاستعداد أخفى سؤال . وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء . فهم(3) قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم (4) . ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم (5) علم الله به من أين حصل. وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف؛فهم الواقفون على سر القدر وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتممن الذي يعلمه مجملا فإنه يعلم ما في علم الله (10 -ب) فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به ، وإما أن يكشف له عن (6) عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى
صفحة ٦٠