بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم . وصلى الله على سمده (2) الههم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمد وعلى آله وسلم ا أما بعد : فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منبشرة أريتنها في العشر الآخر من محرم (3) سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق ، وبيده صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لي: هذا وكتاب فصوص الحكم " خذه واخرج ابه إلى الناس ينتفعون به ، فقلت : السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا . فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى ابراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زياد (2 - 1) ولا نقصان ، وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من ا عباده الذين ليس للشيطان عليهم سطاند ، وأن يخنصعني في جميع ما يرقم بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالالقاء الستبوحي والنفت الروحي في الرقوع النفسي بالتأييد الاعتصامي ؛ حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب
صفحة ٤٧
انه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض (1) النفسية التي يدخلها التلبيس.
وأرجو أن يكون الحق (2) لمكا سمع دعائي قد أجاب ندائي ؛ فما ألقي إلا ما
يلقي إلي ، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزال به علي . ولست بنبي رسول ولكنمي وارث ولآخرتي حارث .
فمن الله فاسمعوا
وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما
آتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا
مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به على
طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي
وسعتكم فوسعوا و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد(3) وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد وقييد ، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته . فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك:
1 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية
لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلفها الاحصاء(2ب) 3 أن يرى أعيانها(6)، وإنشئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله(7) لكونه متصفا بالوجود، ويظهر به سره إليه : فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته(8) نفسه في آمر آخر يكون له كالمرآة؛ فإنه يظهر له نفسه في صورة
صفحة ٤٨
يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له وقد كان الحق سبحانه(1) أوجد العالم كله وجود شبح مسوى(2) لا روح فيه فكان كمرآة غير مجلوة . ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل (3) روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه؛ وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي (4) الدائم الذي لم يزل ولا يزال . وما بقي إلا قابل والقابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس . فالأمر (5) كله منه ، ابتداؤه وانتهاؤه وإليه يرجع الأمر كله"، كما ابتدأ منه. (3 -1) فاقتضى الأمر جلاءمرآةالعالم فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة، وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم وبالإنسان الكبير فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والحسية التي في النشأة الإنسانية . فكل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها ، وأن فيها ، فيما تزعم ، الأهلية لكل منصب عال. ومنزلة رفيعة عند الله ، لما عندها من الجمعية الإلهية مما (6) يرجع من ذلك إلى الجناب(7) الإلهي ، وإلى جانب حقيقة الحقائق ، و- في النشأةالحاملة لهذه الأوصاف-إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم كله أعلاه وأسفله.
وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري ، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون الا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صورالعالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور
صفحة ٤٩
انسانا وخليفة ، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره (1) الحقائق كلها . وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به (2) النظر ، وهو المعبر عنه بالبصر . فلهذا سمي إنسانا(3) فإنه به ينظر (4) الحق إلى خلقه فيرحمهم (5) فهو الإنسان الحادث (3- ب) الأزلي والنشء الدائم الأبدي ، والكلمة الفاصلة الجامعة فقيام (6) العالم بوجوده ، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم ، وهو محل النقش(7) والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته . وسماه خليفة من أجل هذا لأنه تعالى الحافظ به خلقه (8) كما يحفظ الختم الخزائن . فما دام ختم الملك عليها لا يحسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك(9) . فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل. ألا تراه إذا زال وفك من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها (10) والتحق بعضه ببعض وانتقل الأمر إلى الآخرة فكان ختما على خزانة الآخرة ختما أبديا ؟ فظهر جميع ما في الصور الإلهية من الأسماء في هذه النشأة الإنسانية فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود ، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائكة . فتحفظ فقد وعظك الله بغيرك ، سانظر من أين أتي على من أتي عليه (11) . فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه نشأة هذا (12) الخليفة ، ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية ، فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته وليس للملائكة جمعية آدم ، ولا وقفت مع الأسماء (4-1) الإلهية
صفحة ٥٠
التي تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته،وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمهاإليها فما سبحته بها ولا قدسته تقديس آدم(1). فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة : " أتجعل فيها من يفسد فيها "؟ وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم . فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق . فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا ؛ ولو علموا لعتصموا . ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس . وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه فوصف الحق لنا ما جرى (2) لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه (3) بالتقييد ؛ فكيف أن (4) نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا (5) بحال ولا نحن (6) منه على علم فنفتضح؟ فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء . ثم نرجع الى الحكمة فنقول : اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن ؛ فهي باطنة - لا تزال - عن الوجود العيني 4 -ب) ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني ؛ بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية ، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها. فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتما . فاستناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين
صفحة ٥١
وجودأ تزول به عن أن تكون معقولة . وسواء كان ذلك الوجود العيني مؤقتا أو غير مؤقت ، نسبة (1) المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي المعقول نسبة واحدة . غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، كنسبة العلم إلى العالم" والحياة إلى الحي . فالحياة حقيقة معقولة (2) والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة (3) .
كما أن الحياة متميزة عنه . ثم نقول في الحق تعالى إن له علما وحياة فهو الحي العالم ونقول في الملك (4) إن له حياة وعلما فهو العالم والحي. ونقول في الإنسان إن له حياة وعلما فهو الحي العالم . وحقيقة العلم واحدة ، وحقيقة الحياة واحدة ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة . ونقول في علم الحق إنه قديم ، وفي علم الإنسان إنه محدث . فانظر ما أحدثته (5 -1) الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة ، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية ا فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه (5) عالم ، حكم (6) الموصوف به على العلم أنه7) حادث في حق الحادث ، قديم في حق القديم . فصار كل واحد محكوما به محكوما 8) عليه .
ومعلوم أن هذه الأمور الكليةوإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم ،كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الموجود العيني. فتقبل(9) الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل ولا التجزي فإن ذلك محال عليها ؛ فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل (10)
صفحة ٥٢
ولم تتعدد بتعدد(1) الأشخاص ولا برحت معقولة . وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قدثبت ، وهي نسب(2) عدمية فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها (3 جامع - وهو الوجود العيني - وهناك فما ثم جامع . وقد وجد الارتباط بعدم الجامع فبالجامع أقوى وأحق . ولا شك أن المحدث (5 - ب) قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمكانه لنفسه . فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار. ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر ، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه . ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به . ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته ، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه . ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه فاستدللنا بنا عليه. فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف الا الوجوب الخاص الذاتي . فلما علمناه بنا ومنا نسبنا (4) إليه كل ما نسبناه إلينا وبذلك وردت الإخبارات (5) الإلهية على ألسنة التراجم إلينا . فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدنا شهدنا نفوسنا وإذا شهدنا شهد نفسه. ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم (6-1) قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
صفحة ٥٣
فكذلك أيضا ، وإن وصفنا بما وصف (1) نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس (6) إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه 11 عن مثل ما افتقرنا إليه . فهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم . فلا تنسب إليه الأولية (3) مع كونه الأول .
ولهذا قيل فيه الآخر. فلو (4) كانت أوليته أولية وجود التقييد (5) لم يصح أن يكون الآخر للمقييد ، لأنه لا آخر للممكن ، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها . وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته ، والأول في عين آخريته .
ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن (6) ، فأوجد العالم عالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا.ووصف نفسه بالرضا والغضب وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فيخاف غضبه ويرجو(7) (6-) رضاه.
ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس. وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به . فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته . فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب (8) السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية 13 وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة . فالعالم(9) بين(10) كثيف ولطيف وهو عين الحجاب على نفسه، فلا(11) يدرك الحقء إدراكه نفسه . فالا
صفحة ٥٤
يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره . ولكن لا حظ له في الوجوب (1) الذاتي الذي لوجود الحق ؛ فلا (2) يدركه أبدا. فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود ، لأنه لا قدم للحادث في ذلك . فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا . ولهذا قال لإبليس : "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ؟ا وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق ، وهما يدا الحق . وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية . ولهذا كان آدم خليفة فإن (3) لم يكن ظامرا بصورة من استخلف (7 - 1) فيما استخلفه (4) فيه فما (5) هو خليفة ؛ وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها - لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع الما تحتاج إليه - وإلا فليس بخليفة عليهم . فما صحت الخلافة إلا للانسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره (6) وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ، ولذلك قال فيه "كنت سمعه وبصره " ما قال كنت عينه وأذنه. : ففرق بين الصورتين . وهكذا هو(7) في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود . ولكن ليس لأحد مجموع ما (8) للخليفة ؛ فما فاز إلا بالمجموع.
ولولا (9) سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان للعالم وجود ، كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية . ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
صفحة ٥٥
فالكل مفتقر ما الكل مستغن
هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فان ذكرت غنيا لا افتقار به
فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له
عنها انفصال خذوا ما قلته عني فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة، وقد (1) علمت (7-ب) نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة ، فهو الحق الخلق (2) . وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة . فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني ، وهو قوله تعالى : "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء . فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر (3) منكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم ، وهو ربكم ، وقاية لكم : فإن الأمر ذم وحمد : فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.
ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه، على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة. الواحدة فيها العالم ، والقبضة(4) الأخرى فيها (5) آدم وبنوه . وبين مراتبهم فيه قال رضي الله عنه : ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى (8-1) في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر ، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه ، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن . فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده (6) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
صفحة ٥٧
حكمة (1) إلهية في كلمة آدمية ، وهو هذا الباب ثم حكمة نفثية في كلمة شيثية .
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية .
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .
ثم حكمة مهيمية (2) في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية .
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية .
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية ثم حكمة أحدية في كلمة هودية .
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية .
ثثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية .
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية .
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية .
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية ثم حكمة وجودية في كلمة داودية ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية
صفحة ٥٧
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية (8 -ب) .
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية .
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية .
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية ثم حكمة صمدية (1) في كلمة خالدية ثم حكمة فردية (2) في كلمة محمدية .
وفص كل حكمة الكلمة التي تنسب(3) إليها . فاقتصرت على ما ذكرته من (4) هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب . فامتثلت ما رسم لي ، ووقفت عند ما حد لي ، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت فان الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره ومن (5) ذلك :
2 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين : منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين وعن سؤال غير معين. ومنها ما لا يكون عن
صفحة ٥٨
سؤال سواء (1) كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية . فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه (9-1) وغير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتى - من غير تعيين - لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف . والسائلون صنفان ، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فان الإنسان خلق عجولا . والصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال (2) ، فيقول : فلعل (3) ما نسأله فيه (4) سبحانه يكون من هذا القبيل ، فسؤاله احتياط لما (5) هو الأمر عليه من الإمكان : وهو لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده في القبول لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان . ولولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل . فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون (6) فيه ، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان وأنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد وهم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، وصنف (9 -ب) يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه . هذا أتمه ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف .ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإمكان، وإنما يسأل أمتثالا لأمر الله في قوله تعالى: "ادعنوني استجب لكم " . فهو العبد المحض ؛ وليس هذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، وإنما همته في امتثال أوامر سيده. فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية وإذا(7) اقتضى التفويض والسكوت سكت. فقد ابتتلي أيوب عليه السلام وغيره وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به
صفحة ٥٩
ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسئول (1) فيه (2) والإبطاء للقدر المعين له عند الله . فإذا وافق السؤال الوقت أسرع بالإجابة، وإذا تأخر الوقت إما في الدنيا وإما إلى الآخرة تأخرت الإجابة : أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبيك من الله فافهم هذا.
وأما القسم الثاني وهو قولنا: "ومنها ما لا يكون عن سؤال " فالذي لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال التلفظ به ، فإنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد . كما أنه لا يصح حمد مطلق (10 -1) قط إلا في اللفظ ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال . فالذي يبعثك على حمد الله هو المقيد لك باسم فعل أو باسم تنزيه . والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال . فالاستعداد أخفى سؤال . وإنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن الله فيهم سابقة قضاء . فهم(3) قد هيئوا محلهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم (4) . ومن هؤلاء من يعلم أن علم الله به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم (5) علم الله به من أين حصل. وما ثم صنف من أهل الله أعلى وأكشف من هذا الصنف؛فهم الواقفون على سر القدر وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملا، ومنهم من يعلمه مفصلا، والذي يعلمه مفصلا أعلى وأتممن الذي يعلمه مجملا فإنه يعلم ما في علم الله (10 -ب) فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به ، وإما أن يكشف له عن (6) عينه الثابتة وانتقالات الأحوال عليها إلى
صفحة ٦٠
ما لا يتناهى (1) وهو أعلى : فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا(2) أطلعه الله على ذلك ، أي على أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق(2) إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها . فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه(3) المساواة في إفادة العلم. ومن هنا(4) يقول الله تعالى : "حتى نعلم " وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه (4 11-1) من ليس له هذا المشرب . وغاية المنزه أن يجعل (5) ذلك الحدوث في العلم للتعلق (6) ، وهو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة ، لولا أنه أثبت العلم زائدأ على الذات فجعل التعلق له لا للذات . وبهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود.
ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية. فأماالمنح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا (7) عن تجل إلهي . والتجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلى (8)له وغير ذلك لا يكون. فإذن المتجلى له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق وما رأى الحق ولا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه : كالمرآة في الشاهد إذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك انك ما رأيت الصور أو صورتك إلا فيها. فأبرز الله ذلك مثالا نصبه لتجليه الذاتي
صفحة ٦١
ليعلم المتجلى له أنه (1) ما رآه. وما ثم مثال أقرب ولا أشبه بالرؤية والتجلي من هذا . وأجهد في نفسك عندما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرم المرآة لا تراه أبدأ البتة (11 -ب) حتى إن بعض من أدرك مثل هذا في صور (2).
المرايا ذهب إلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة . هذا أعظم ما قدر عليه من العلم ، والأمر كما قلناه وذهبنا إليه . وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في (3) أعلى من هذا الدرج (4) فما هو ثم أصلا ، وما بعده إلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك ، وأنت مرآته في رؤيته(5) أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه . فاختلط الامر وانبهم : فمنا من جهل في علمه فقال : " والعجز عن درك الإدراك إدراك ، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول ، بل أعطاه العلم السكوت ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله . وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من (12 -1) مشكاة الرسول الخاتم ، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي (6) الخاتم ، حتى أن الرسل لا يرونه - متى رأوه - إلا من مشكاة خاتم الأولياء : فإن الرسالة والنبوة - أعني نبوة التشريع ورسالته - تنقطعان ، والولاية لا تنقطع أبدا. فالمرسلون ، من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع فذلك لا يقدح في مقامه ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى . وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد
صفحة ٦٢
ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم(1) فيهم ؛ وفي تأبير النخل . فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة ، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله : هنالك مطلبهم . وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه. ولما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى موضع لبنة ، فكان صلى الله عليه وسلم (12 -ب) تلك اللبنة . غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يراها كما قال لبنة واحدة . وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرى في الحائط موضع لبنتين (2) ، واللبن من ذهب وفضة. فيرى اللبنتين اللتين (3) تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين. فيكمل الحائط . والسبب الموجب لكونه رآها(4) لبنتين انه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة(5)، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو آخذ عن (6) الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة :7) متبع فيه ، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه ، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي (8) به إلى الرسول . فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء (9) . فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين ، وإن (13 -1) تأخر
صفحة ٦٣
وجود طينته ، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : وكنت نبيا وآدم بين الماء والطين. وغيره من الأنبياء ما كان نبيا (1) إلا حين بعث وكذلك خاتم الأولياء كان وليا وآدم بين الماء والطين ، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى بالولي الحميد (2) " . فخاتم الرسل من حيث ولايته نسبته (3) مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب . وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة . فعين حالا خاصا ما عمم . وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإن الرحمن ما شفع (4) عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين . ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية : فاعلم(5) أن منح الله تعالى خلقه (13 -ب) رحمة منه بهم ،وهي كلها من الأسماء. فإما رحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن .فهو عطاء رحماني. وإما رحمة(6) ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يعقب شربه الراحة، ،وهو عطاء إلهي، فإن العطاء الإلهى لا يتمكن إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي(7) لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض وما أشبه ذلك. وتارة يعطي الله
صفحة ٦٤
على يدي الواسع فيعم ؛ أو على(1) يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت ؛ أو على يدي الوهاب (2)، فيعطي ليتنعم لا يكون مع الواهب (3) تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل ؛ أو على يدي(4) الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه ؛ أو على يدي(4) الغفار فينظر المحل وما هو عليه . فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها ، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوما ومعتنى به (14-1) ومحفوظا وغير ذلك مما شاكل هذا النوع . والمعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه فا يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر . "فأعطى كل شيء خلقه " على يدي العدل وإخوانه(5) . وأسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها-وما يكون عنها غير متناه - وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. وعلى الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب والإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية . والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر ، إلى ما لا يتناهى ، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك(6) الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم (7) عينه لا ما يقع فيه الاشتراك كا أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها ، وإن كانت من أصل واحد ، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميز الأسماء . فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شيء يتكرر أصلا . هذا هوالحق الذي يعول عليه . وهذا العلم كان علم شيث (14 - ب) عليه السلام ، وروحه هو الممد لكل من يتكلم في
صفحة ٦٥
مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم (1) فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح وإن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري . فهو من حيث حقيقته ورتبته عالم بذلك كله بعينه ، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري ا فهو العالم الجاهل ؛ فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل. الاتصاف بذلك كالجليل والجميل(2) ، وكالظاهر والباطن والأول والآخر وهو عينه ليس (3) غير . فيعلم لا يعلم ، ويدري لا يدري ، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله . فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونسبها ، فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه : وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه . فمنه خرج وإليه عاد . فما أتاه غريب لمن عقل عن الله . وكل عطاء (15 -1) في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء ، وما في أحد من سوى نفسه شيء وإن تنوعت عليه الصور . وما كل أحد يعرف هذا ، وأن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله . فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى. فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه(4) ما لم يكن قبل ذلك في يده فتلك الصورة عينه لا غيره . فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه ، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب (5) من وجه بحقيقة تلك الحضرة ، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صفيرا أو المستطيلة مستطيلا ، والمتحركة متحركا . وقد تعطيه
صفحة ٦٦