كان من بينهما الأشياء على قدر تمازجها ومقاديرها فيكون الحيوان من المادة الأرضية التي فيها قوة فاضلة من قوى الخفيفتين، ولذلك تحركت الحيوانات حركة مكانية من موضع إلى موضع، وكان الشجر والنبت من المادة التي غلبت عليها قوة الثقيلتين، فلذلك لزمت الأشجار أماكنها من الأرض ولم تتحرك حركة مكانية لكنها تجذب الغذاء إلى أنفسها بالعروق التي هي لها بمنزلة الأفواه للحيوان، وتولدت الأصداف من المادة المتوسطة بين الخفيفتين والثقيلتين، فهي تشبه لذلك الحيوان بحسها وتشبه الأشجار بلزومها مواضعها، فكل شئ من الحيوان يشتاق إلى اصله ويكون فيه ويعيش منه، فاما الحيوانات التي تغلب عليها الأرضية فإنها تأوى إلى بطون الأرض وتعيش فيها، والمائية تاوي إلى الماء وتعيش فيه والهوائية تحب الهواء وتعيش فيه، ولأجل ذلك تركن إلى المواضع الشاهقة والشجر المشرفة وسأذكر ذلك جميعه في أبوابه على ما قالته الفلاسفة، فاما علة القرون والأظلاف فأقول ان من الدواب دواب دائمة الارتعاء والأكل، ولجسمها حصافة شديدة وتجتمع فيها لذلك رطوبات كثيرة، وتحتبس حرارتها في أجسامها لحصافة الأجسام، وتلك الحرارة تدفع إلى رؤوسها الرطوبات الغليظة فتطلع عند ذلك منها القرون، والدواب التي لها القرون لا تنبت لها أسنان في فكها الأعلى، لان المادة التي منها تنبت الأسنان ترتفع فتصير منه قرون، وما تنزل من تلك الرطوبات الغليظة إلى أسفلها كان منها الحوافر والأظلاف التي هي بمنزلة الأظفار، وعلة انشقاق الظلف كثرة يبسه عن الحافر.
قد قلنا إن من شان اليبس تفريق الاجزاء ومن شان الرطوبة الجمع، مثل الدقيق الذي يجمع الماء اجزائه فيصير عجينا، فاما سباع
صفحة ٢٨