الدواب والطير فإنه لما غلب على بعضها الحرارة واليبس (وعلى بعضها البرودة واليبس) يبست لذلك أبدانها وصلب عصبها وصارت أطراف مناقيرها محددة معنفقة، ولان الغالب عليها الطبيعتان الفاعلتان طلبت الغلبة للاقران واغتذت بمطاعم قوية كالطري من اللحمان، فاما بقية الوحوش والطير فلان الغالب عليها الطبيعتان المفعولتان ضعفت لذلك أبدانها وقلوبها وغذاؤها وصارت طعاما للسباع والناس وأربعت النبت واغتذت الحب، فاما قوائم بنات الماء من الدواب والطير فإنما انشقت وصارت كالمجاديف لفضل الرطوبة التي فيها، ولان الغالب على طير الماء المائية والهوائية ولأنه ليس للطير كله من العصب وصلابة الأبدان ما للدواب التي تلد لم يمكن ان يكون له رحم ولا زرع متماسك قوي يصلح للحبل ولا ينحبل منه الجنين، ولذلك صار زرع الطير في غشاء رقيق يقوم منه مقام السلا للدواب، وإذا باض الطائر صلب قشر البيضة ببرد الهواء، ويكون من مخه الجسد ومن بياضه الريش ما خلا الخشاشيف، فإنها تلد الفراخ وترضع وتطير، وقد شبه أبقراط كون الجنين والبنات بكون الفرخ في البيضة فقال في كتاب الجنين ان البيض إذا سخنها الطير سخن الريح التي فيها واجتذب إليها بالحرارة وبالريح التي فيها ريحا أخرى (باردة) من خارج ثم يصير لها في جوف البيضة قشر وعروق ممتدة من الشرة كما يكون للجنين، ويكون الفرخ " من الصفرة ويغتذي من البياض، وقال إن ذلك ظاهر لمن أراد معرفته، فإنه إن حضنت دجاجة عشرين بيضة ثم كسر منها في كل يوم بيضة عاين ذلك معاينة، ووجد فعل الطبيعة في البيض والجنين والشجر " فعلا " (1) واحدا، ثم تتفرع أعضاء الفروخ في البيضة كما تتفرع الشجرة، وإذا فنى غذاء الفروخ في
صفحة ٢٩