لقلة مسير الشمس ومقامها في هاتين الجهتين، فيصير لذلك ما يجتمع فيهما من البخارات رياحا " هابة " عاصفة، واما في جهة المشارق والمغارب فان الشمس تكون فيهما في كل يوم مرة فتقل فيهما لذلك الرياح، لان الشئ الحار اليابس والبارد اليابس لا يكاد يكون معهما البخارات الكثيرة، وكل بخار اما بارد رطب واما حار رطب، وانما البخار رطوبة تحللها الحرارة، فاما الزويعة فريح تلاقي ريحا أخرى مخالفة لها في هبوبها، فترتدان لذلك وتستديران و " تفسدان كل ما يمران بها من أشجار وسفن وغيرها " (1) فهذا قول الفيلسوف، فاما الحكيم أبقراط فإنه قال إن الرطوبات التي تتنشفها الشمس من الأرض والماء ومن أجسام الناس وغيرهم لا يزال معلقة في الهواء مختلطة به فإذا كثرت وتراكب (2) " بعضها على بعض غلظت لذلك ثم هبت عليها رياح مختلفة مضغوطة في الهواء فتمحضت حينئذ وسال منها المطر، ويحدث من تحريق الرياح إياها البروق والصواعق، وقال ارسطاطاليس ان السحاب إذا ضغطه الهواء ضغطا شديدا ودفعه إلى أسفل صك ما والاه فصدعه ولذلك صار البيت الذي لا كوة فيه يتصدع من كثرة الرعد الشديد، وقد رأيت بطبرستان صواعق قد صدعت الصخر والأشجار العظام، ورأيت أيضا حرابا من نحاس احمر (كبارا وصغارا) وجدوها الأكراد عند خراب الأرض ويذكرون انها من الصواعق، و " ما اعلم لذلك سببا " (3) الا ان الفيلسوف يذكر أيضا ان الصواعق جسم نظيف ملهب، فان أصابت بابا دفعه فإنها تنفذ في الباب للطافتها وسرعتها وأحرقت ما
صفحة ٢٥