موضحه في آخر كتابي هذا، ولأنهم لم يروا في طول هذا الدهر مطرا كان ولا رعدا، ولا برقا ولا سحابا ولا دابة ولدت أو شجرة نبتت وأثمرت بحيث لا تطلع عليها الشمس والقمر، فالانسان كما تري من الزرع، والزرع من الدم، والدم من الأغذية والأشربة، والأغذية والأشربة من النبات، والنبات من المياه والأمطار في الأرض، والأمطار من البخارات والسحاب الذي يصعد من الأرض في فصول السنة، وفصول السنة هي مسير الشمس في فلكها على ما انا واصفه، وكل ذلك يجري بتقدير من حكيم قدير خلق ذلك كله على ما قدر وأراد من احداث بعض خلقه من بعض وإقامة بعضه ببعض، كالكواكب التي لأقوام لها الا " بأفلاكها " (1) والنار التي لا توجد الا في الاحجاز " وغيرها "، و الماء الذي لاثبات له الا بالأرض، والأرض التي لا " قوام لها " (2) الا بالهواء الذي يشيلها من جوانبها، فهي كالخردلة التي تلقى في مثانة شاة لا تستقر فيها فتبقى معلقة في وسطها، فكذلك الحيوانات والنبات لا كون لها ولا فساد الا بالأرض والهواء و النار والماء، وقد قال أرسطوطيلس ان الطبائع طبيعتان طبيعة مستعلية على الكون والفساد بكلها وجزوها، وهي الفلك والنيرات، وطبيعة تقع اجزاءها تحت الكون والفساد ولا تقع كلها تحت الفساد، وهي الطبائع الأربع، فمن اجزاء الطبائع تكون المزاجات الأربعة، ومن تلك المزاجات تكون الحيوانات، فاما ما ينشأ في الهواء من مطر وثلج " وريح " فإنه يكون من البخار الرطب، ويكون الرعد والبرق والنيازل والشهب من البخار " الحار " اليابس، و علة ذلك كله اختلاف حركات الأفلاك، لان الفلك الأعلى يدور
صفحة ٢٠