من المشرق إلى المغرب وأفلاك الكواكب المتحيرة تدور من المغرب إلى المشرق، وسأشرح ذلك فيما بعد، ولو كان دورهما جميعا من جهة واحدة لدام العالم (كله) على حالة واحدة من صيف أو شتاء أو كون أو فساد كما قال أبقراط انه لو كان الانسان خلق من طبيعة واحدة لما مرض " قط " لأنه لم يكن هناك شئ يضاده فيمرضه ولكان علاجه ان مرض شيئا واحدا فقط، فالأزمنة إذا تغيرت تغير بها الطبائع الأربع، فسخنت مرة وبردت أخرى كما ذكرت آنفا، وتحدث من تغيرها الأشياء الأرضية، فالشمس إذا قربت منا وصارت فوق رؤوسنا قويا لذلك العنصران الأكرمان وهما النار والهواء، وإذا بعدت الشمس عنا ضعفا جميعا، وقوي عليهما البرد، وانقطع كون النبات ولم يثمر الشجر ولم يتوالد أكثر الحيوانات، وإذا قربت الشمس منا ظهر كون ذلك كله، قال الفيلسوف فبالحق والعدل قيل إن السماء هي التي تأتي بالحياة لان جميع ما يحدث في الأرض من نبات أو حيوان " أو غير ذلك " فإنه غير موجود قبل أن يكون، فاما النيرات السماويات فإنهن موجودات قبل ما يحدث في كل عام من الحيوان والنبات، وما أظن الفيلسوف الا صادقا فيما قال، فليس يحدث شئ من ذلك الا في زمان من الأزمنة، والزمان متقدم لما يحدث فيه، وانما الزمان عدد حركات الأفلاك والنيرات " فحركة النيرات اذن هي سبب كون الأرضيات جميعا " وكذلك اختلاف الليل والنهار وحدوث الثمار والأشجار وتصرف الصيف والشتاء وانتقال الأبدان من حر إلى برد ومن يبس إلى رطوبة انما هو بحركة النيرات ومجاريها في الأفلاك، فحركة النيرات اذن هي سبب كون الأرضيات بإذن الله، وليس كون الأرضيات سببا لحركة النيرات، وما أحسن ما قال الفيلسوف " و أصوبه " فاني أظن ظنا هو كاليقين عندي ان الشمس لو دامت في
صفحة ٢١