وذلك أنه قد اجتمع فيه أنه موجود بالفعل، وهو من طبيعة الممكن، إذا كان فيما تقدم ممكنا أن يوجد وألا يوجد، وهو أيضا في المستقبل ممكن ألا يوجد. فبأنه موجود بالفعل شارك الضروري، وبأنه من طبيعة الممكن وممكن أيضا ألا يوجد في المستقبل شارك الممكن، كقولنا: (زيد قاعد)، و(عمرو يمشى)، و(الإنسان عادل)، واشباه هذه القضايا. والقضية قد تكون مطلقة في مادتها، وجهتها، كقولنا: (كل إنسان عادل). وقد تكون مادتها مطلقة، وجهتها ممكنة، أو اضطرارية، كقولنا فيما هو أبيض الآن أنه ممكن أن يكون أبيض، أو باضطرار هو أبيض. وقد تكون مادتها اضطرارية، ولا يصرح بها، لا باضطرار، ولا بإمكان، فتكون مطلقة في جهتها، اضطرارية في مادتها، كقولنا: (كل ثلاثة فهو عدد فرد).
والمطلقة قد تسمى الوجودية. وسميت مطلقة إذ كانت لا يشترط فيها جهات أصلا. وسميت وجودية لأنها تدل على الوجود غير مشترط فيه، لا باضطرار، ولا بإمكان. فالوجودية والمطلقة كاسمين مترادفين. والموجبات والسوالب في الاضطرارية، والمكن والبسيطة فيهما والمعدولة والمهملة، وفي ذوات الأسوار على مثال ما تقدم.
فسالبة الممكن غير السالبة الممكنة. فإن سالبة الممكن هي التي تسلب الإمكان وتوجب الوجود، كقولنا: (كل إنسان لا يمكن أن يوجد عالما).
والسالبة الممكن هي التي توجب الإمكان وتسلب الوجود، كقولنا: كل إنسان ممكن أن لا يوجد عادلا).
وكذلك سالبة الاضطرار غير السالبة الاضطرارية. فإن سالبة الاضطرار هي التي تسلب الاضطرار وتوجب الوجود، كقولنا: (زيد ليس باضطرار يوجد عادلا) والسالبة الاضطرارية هي التي توجب الاضطرار وتسلب الوجود، كقولنا: (الثلاثة باضطرار ليس توجد زوجا).
وكل متناقضين فإنهما كما قيل يقتسمان الصدق والكذب. غير أن المتناقضين في التي مادتها اضطرارية، وفي المطلقة التي كانت فيما سلف والتي هي الآن موجودة تقتسمان الصدق والكذب على التحصيل في أنفسهما. فإن الصادق منهما هو أحدهما على التحصيل دون الآخر، والكاذب هو الآخرون الأول. وكثير منها يعلم أن الصدق في هذا الواحد مشار إليه، والكذب في الآخر مشار إليه. وكثير منها لا يعمل أن الصدق في هذا مشار إليه دون الآخر. غير أن الذي نجهل نحن صدقه هو في نفسه حاصل على الصدق وإن لم نعلمه نحن، وما نجهل كذبه هو حاصل في نفسه على الكذب، وإن لم نعلمه نحن.
وأما الأمور الممكن المستقبلة كقولنا
(زيد غدا يسير إلى السوق)، و(زيد غدا لا يسير إلى السوق) فإنهما متناقضان، ويقتسمان الصدق والكذب لكن على غير التحصيل في أنفسهما. فإنه لا يمكن أن يكون الصدق محصلا في أحدهما مشارا إليه، والكذب في الآخر مشارا إليه. حتى لا يمكن فيما يوجدن صادقا منهما أن يكون كاذبا، وفيما يوجد كاذبا منهما أن يكون صادقا. لكن هما في أنفسهما - كما هما عندنا - في عدم التحصيل.
وأما المتناقضات في الاضطرارية والمطلقة
صفحة ١٢