جمة منها كتاب ضخم ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها وأمهات مدنها وأجنادها الستة ( 1 ) ، وخواص كل بلد منها ، وما فيه مما ليس في غيره ، وهو كتاب مريح مليح . وأنا أقول لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بشر به ، ووصف أسلافنا المجاهدين فيه ، بصفات الملوك على الأسرة ، في الحديث الذي رويناه من طريق أبي حمزة أنس بن مالك أن خالته أم حرام بنت ملحان ، زوج أبي الوليد عبادة ابن الصامت ، رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين ، حدثته به عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أخبرها بذلك لكفى شرفا بذلك ( 2 ) ، يسر عاجله ويغبط آجله . فإن قال قائل : لعله صلوات الله تعالى عليه إنما عنى بذلك الحديث أهل صقلية وإقريطش ، وما الدليل على ما ادعيته من أنه ( صلى الله عليه وسلم ) عنى الأندلس حتما ، ومثل هذا من التأويل لا يتساهل فيه ذو ورع دون برهان واضح وبيان لائح ، لا يحتمل التوجيه ، ولا يقبل التجريح . فالجواب ، وبالله التوفيق ، أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب ، وأمر بالبيان لما أوحي إليه ، وقد أخبر في ذلك الحديث المتصل سنده بالعدول عن العدول بطائفتين من أمته يركبون ثبج البحر غزاة واحدة بعد واحدة ، فسألته أم حرام أن يدعو ربه تعالى أن يجعلها منهم ، فأخبرها ( صلى الله عليه وسلم ) ، وخبرة الحق ، بأنها من الأولين ، وهذا من أعلام نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) ، وهو إخباره بالشيء قبل كونه ، وصح البرهان على رسالته بذلك ، وكانت من الغزاة إلى قبرس ، وخرت عن بغلتها هناك ، فتوفيت رحمها الله تعالى ، وهي أول غزاة ركب فيها المسلمون البحر ، فثبت يقينا أن الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشر بهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وكانت أم حرام منهم ، كما أخبرت صلوات الله تعالى وسلامه عليه ، ولا سبيل أن يظن به ، وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان ، أنه يذكر طائفتين قد سمى إحداهما أولى ، إلا والتالية لها ثانية ، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد ، وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق ، إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية ، ولا الثانية ثانية """""" صفحة رقم 174 """"""
صفحة ١٧٤