يا راعي الذود لقد رعتهم
ويلك من روع المحبين
فرقت جمعا لا يرى مثلهم
بين دروب الروم والصين
46
وفي الحق إن هذا النوع من الجواري أثر أثرا سيئا في نشر الخلاعة والمجون، ومن قرأ رسالة القيان المنسوبة للجاحظ، أو قرأ وصف «الوشاء» في باب ذم القيان، في كتابه «الموشى»؛ أدرك ما كان لهن من أثر ترى ظله في شعر الشعراء الخليعين في ذلك العصر، وما كان أكثرهم!
47
ويعلل الجاحظ فساد هؤلاء الفتيات بقوله: «وكيف تسلم القينة من الفتنة، أو يمكنها أن تكون عفيفة؟ وإنما تكتسب الأهواء، وتتعلم الألسن والأخلاق بالمنشأ، وهي إنما تنشأ من لدن مولاها إلى أوان وفاتها فيما يصد عن ذكر الله من لهو الحديث، وبين الخلعاء والمجان، ومن لا يسمع منه كلمة جد، ولا يرجع منه إلى ثقة ولا دين، ولا صيانة مروءة، وتروي الحاذقة منهن أربعة آلاف صوت فصاعدا، يكون الصوت فيما بين البيتين إلى أربعة أبيات، عدا ما يدخل في ذلك من الشعر، إذا ضرب بعضه ببعض كان من ذلك عشرة آلاف بيت، ليس فيها ذكر الله إلا عن غفلة، ولا ترهيب من عقاب، ولا ترغيب في ثواب، وإنما بنيت كلها على ذكر العشق والصبوة والشوق، ثم لا تنفك من الدراسة لصناعتها، منكبة عليها تأخذ من المطارحين الذين طرحهم كله تجميش! وهي مضطرة إلى ذلك لأنها إن أهملتها نقصت، وإن لم تستفد منها وقفت، وكل واقف فإلى نقصان أقرب.»
48
وغير هذا نشر الجواري أنواعا من الظرافة، قلدهن فيها الناس، وجروا على أثرهن، كحب الأزهار وتعشقها، فيحدثنا «الأغاني» أن «متما» جارية علي بن هشام «كان يعجبها البنفسج جدا، وكان عندها أثر من كل ريحان وطيب، حتى إنها من شدة إعجابها لا يكاد يخلو من كمها الريحان، ولا تراه إلا كما قطف من البستان.»
صفحة غير معروفة