1
المندرج فيه كتاب العامل المصري إلى مولاه منيمهات الأول من ملوك الدولة الثانية عشرة في مصر الذي أرسله إلى بلاد أدوم وجرار وغيرهما من الأعمال في جنوبي فلسطين؛ ليتجسس أمورها ويستكشف أحوالها، ولم ير في ذلك الكتاب ذكر الكنعانيين واردا في جملة من كانوا في تلك الأيام أيام الدولة الثانية عشرة ساكنين في تلك البلاد من الساثيين والجبابرة. والساثيون هم من القبائل السامية، وأما مهاجر الكنعانيين فهي على ما رواه هيرودوت مأخوذا عن التقاليد الفينيقية وما تلقاه إسترابون من تقليد سكان بلاد العرب الجنوبية، وفيما أخذ من الآثار القديمة واقعة على شاطئ خليج العجم في جوار ولد عمهم كوش. وقد قال بلين إنه كان في أيامه عمل على ذلك الشاطئ يسمى بلاد كنعان، وذكر إسترابون جزيرتين هناك كانتا تسميان صور وأرواد، وقال إن بهما هياكل تشبه هياكل الفينيقيين، أما أسباب ارتحالهم فقد اختلف المؤرخون فيها، فقال هيرودوت إن السبب هو حدوث زلزلة شديدة في البلاد التي هاجروا منها، وقال مؤرخو العرب - فيما رواه العالم برسفال في كتابه تأريخ العرب قبل الإسلام - إن السبب في انتزاحهم حرب اضطرمت نيرانها بينهم وبين سلالة نمرود. وروى لانورمان أن الكنعانيين هجروا مواطنهم؛ بما وقع لهم مع الملوك الكوشيين من النزاع.
ينتج من كل ما تقدم أنه مهما تضاربت آراء المؤرخين فيما يتعلق بمهاجر الكنعانيين، والأسباب التي بعثتهم على المهاجرة قد اتفقت على أن هؤلاء الأقوام أتوا سورية من بلاد أخرى، وأن سورية كانت قبلهم قد أهلت بأقوام آخرين. (2) فينيقية
إن الكنعانيين سكان السواحل قد سموا فيما رواه مسبيرو فينيقيين، وإن هذه التسمية بحسب التقاليد اليونانية مشتقة من فينكس ابن أجنور، وأجنور مرادف بيل إله الفينيقيين. وقد ذهب جمهور من المؤرخين إلى أن فينكس إنما يراد بها الشعب الأحمر؛ وهذا إما لأن الفينيقيين استوطنوا وقتا طويلا سواحل البحر الأحمر (الأريتره)، وإما لأنهم أنشأوا معامل للمنسوجات الأرجوانية في محالهم التجارية، وإما لاحمرار لون وجوههم. وإن الرأي المتبع حتى هذه الأيام الأخيرة هو أن فنيكس يراد به النخل، وفينكسية يراد بها بلاد النخل. وقال مسبيرو أيضا إن فنيكس لفظ توسع فيه مأخوذا من فون أو بوني، اسم قديم أتى به الكنعانيون من منازحهم، وصحبهم في جميع البلدان التي استقروا فيها، فإن أقدم الآثار المصرية قد جاء فيها ما يدل على إطلاق اسم بوني على الأقاليم الشرقية لبلاد العرب؛ فكنعانيو الخليج العجمي أتوا باسم فينيقية إلى سورية، وفينيقيو سورية أتوا به إلى إفريقية ، وفينيقيو إفريقية نشروه حتى أبلغوه قواصي مستعمراتهم.
إن الأسفار المقدسة التي كتبت باللغة العبرانية لم يرد فيها اسم فينيقية بل جاء فيها اسم كنعان وبلاد الكنعانيين، وأما سفر المكابيين وأسفار العهد الجديد فقد ورد فيها اسم فينيقية؛ لأنها كتبت باللغة اليونانية. والظاهر من ذلك أن الاسم فينيقي يوناني، وقد قيل إن تأويله النخل؛ لكثرة النخل في البلاد التي سميت بهذا الاسم، ودليله وجود صورة النخل على المسكوكات
2
القديمة في فينيقية وبعض مستعمراتها.
وقد أفرغ العلماء جهدهم في التنقيب عن أصل لهذا الاسم في اللغة السامية فلم يدركوا المرام، وقد وهم العالم بوشار أن فنيق مشتق من لفظ «بني عناق»؛ وهم قوم من الجبابرة الكنعانيين وجدهم الإسرائيليون بأرض حبرون كما يتبين ذلك من سفر العدد في العدد الثالث والعشرين والتاسع والعشرين من الفصل الثالث عشر منه، ومن سفر يشوع في العدد الحادي والعشرين من الفصل الأول منه. والحقيقة أن هذا الاشتقاق بعيد الاحتمال بما في ذلك من مباينة الحروف بين اللفظين، وأن اسم فينيقي في غالب الظن أطلق على سكان السواحل الذين كثر في أرضهم النخيل، وانتشرت معامل منسوجاتهم الأرجوانية.
وجملة القول أن هذا الاسم قد تسمى به سكان سواحل لبنان زمنا مديدا كانوا فيه بالغين أقصى درجات العمران والحضارة بين أمم تلك القرون الخوالي، وكانت سفنهم تتهادى فوق أمواج البحار، وما لغيرهم من سائر الأمم والشعوب خشبة طافية فوق الماء؛ لأن أول سفينة جرت في البحر (بعد سفينة نوح) إنما هي سفينة فينيقية؛ فعدوا لذلك أصحاب اكتشاف
3
صفحة غير معروفة